الرأي

مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.. أيقونة سلام ودبلوماسية وابتكار

د. طلال المغربي

أكاديمي ومستشار في التسويق الاستراتيجي

احتفلت المملكة العربية السعودية بيومها الوطني 90 وهي تستمر في الصعود بهمه نحو القمة لتحقيق الإنجازات ورؤية السعودية 2030 التي يصادف حينها الاحتفال بمائة عام. في مملكة السلام نحتفل دوما بالأمن والأمان والاستقرار والتكاتف والتعاضد والتنوع الذي يزيدنا إصرار جيل بعد جيل للمضي نحو المزيد من تحقيق الإنجازات للوطن.

وكما هي مملكة السلام تحمل هموم الامه الإسلامية والعربية في كل خطواتها وتعمل على تعزيز ثقافتها والافتخار بها داخل الوطن ونشرها حول العالم. مؤخرا تم الإعلان عن إطلاق مشروع هام وضخم وهو مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ليكون مجمعا عالميا ومنبر يعني بتعزيز حضور اللغة العربية وإبراز مكانتها وإثراء المحتوى العربي في مجالات متنوعة ومبتكرة. يهدف مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أن يكون مرجعيه في مجالات اللغة العربية وتطبيقاتها من خلال أدوار مختلفة منها نشر الأبحاث والكتب المتخصصة في اللغة العربية، الاختبارات والمعايير في اللغة العربية، والذكاء الاصطناعي المتخصص في اللغة العربية، وإثراء المحتوى العربي محليا واقليميا وعالميا. يستهدف المجمع الى جذب المهتمين باللغة العربية والمختصين من حول العالم من العاملين في المجالات السياسية والتقنية والتعليم والانتاج والناطقين بغير اللغة العربية.

تعتز الشعوب بلغتها ولا تسمح بالتساهل في تحريف مفرداتها. متعارف عند الشعوب الفرنسية والألمانية تعصبهم للغتهم ويواجه السياح بعض المشاكل في رفض بعض المواطنين الفرنسيين أو الألمان التحدث والتواصل مع السائح باللغة الإنجليزية. وفي المقابل نرى بعض أفراد الشعوب العربية التهاون بتغير وتكسير قواعد اللغة العربية عند التخاطب مع أفراد من الناطقين بغيرها مما يساهم في نقل مفردات وجمل غير صحيحة وإيجاد مصطلحات جديدة ساعدت السنوات الماضية في ترسيخها وأصبحت مثل كما لو كانت صحيحة بين الصغار والكبار خاصة في المجتمعات الخليجية. وفي أمريكا وبريطانيا وعند حديث السائح باللغة الإنجليزية الركيكة مع تكسير في قواعد اللغة الإنجليزية نرى أن المتحدث يتفاعل مع السائح ولكن باستخدام مفردات وجمل صحيحة تساعد السائح في فهم اللغة والتقاط المفردات صحيحة.

تلعب اللغات دور كبير في تشكيل وتعزيز الهوية للدول ونشر ثقافاتها وتساعد في فهم العادات وسياسات الدول. اللغة والترجمة تلعبان دورا هاما في التقريب بين الدول والثقافات وتسهل الحوار والتفاهم والتعاون والمساهمة والتنمية وتعزيز السلام والأمن العالمي. حيث تعد اللغة أحد وسائط القوة الناعمة من خلال وسائل الدبلوماسيات المختلفة مثل الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية الرياضية والدبلوماسية التعليمية والدبلوماسية السياحية وغيرها من الدبلوماسيات.

عبر القرون السابقة، عرفت اللغة الفرنسية بأنها لغة الدبلوماسية ولغة تعزيز العلاقات الدولية. وفي تقرير للأكاديمية البريطانية نشر في عام 2013م موجه لوزارة الخارجية البريطانية يوضح وجود خطر في الدبلوماسية العامة البريطانية من ناحية ضعف نشر اللغة الإنجليزية من خلال المجلس الثقافي البريطاني حول العالم وأيضا ضعف في تعلم وفهم اللغات الاخرى للبعثات الدبلوماسية البريطانية حول العالم. التمكن في فهم اللغات يكون جسر في تعزيز التعاون التجاري والثقافي للدول ويعزز قوة التأثير الناعمة للدول داخل مجتمعات الدول الأخرى.

قبل أيام، أعلن رئيس وزراء فرنسا مانويل ماكرون بأنه سوف يخصص ميزانية لتدريس الحضارة الإسلامية واللغة العربية في المدارس الفرنسية ضمن خطة لمحاربة التطرف والإرهاب ومساعدة الشباب من المهاجرين العرب لفرنسا وأيضا الفرنسيين لفهم الإسلام والحضارة الإسلامية بطريقة صحيحة. بعض الجامعات الصينية تدرس اللغة العربية لأكثر من سبعين (70) عام وأيضا تنتشر في بعض الجامعات البريطانية تدريس اللغة العربية وضمن منهج مواد GCSE في مدراس الثانوي البريطانية توجد مادة اختيارية للغة العربية.

تعد اللغة الإنجليزية الأولى في عدد المتحدثين بها (1132مليون) حول العالم، تليها اللغة الصينية (1117مليون)، من ثم اللغة الهندية (615 مليون)، ثم اللغة الإسبانية (534 مليون)، والفرنسية (280 مليون)، تليها سادسا اللغة العربية (274 مليون)، رغم أنها لغة القرآن لمليار مسلم.

عندما ننظر لدور اللغات في تعزيز دبلوماسية الثقافات حول العالم لا يمكننا إغفال أحد أهم الأمثلة العالمية والتي تعد القوة الناعمة للمملكة المتحدة وهي الأدوار التي يلعبها المجلس الثقافي البريطاني من خلال مكاتبة الموجودة في معظم دول العالم حيث يساهم في تعليم اللغة الإنجليزية وإقامة البرامج الثقافية وأيضا يساهم بربط المهتمين بالتعليم والأبحاث والابتكار مع الجامعات البريطانية.

يعد اختبار قياس اللغة عنصر هام في التعليم الجامعي والحصول على الفيزا الدراسية وفيزا الأعمال او للإقامة في دولة أخرى وأشهر الاختبارات العالمية المعروفة لقياس اللغة الإنجليزية اختبار التوفل الأميركي (TOEFL (Test of English as Foreign Language)، والاختبار الإنجليزي في المملكة المتحدة IELTS (International English Language Testing System)، واختبار العيش في بريطانيا Life in UK Test يشمل التاريخ البريطاني وثقافته وقوانينه لمن يرغب في الحصول على الإقامة الدائمة البريطانية او جنسيتها.

في بريطانيا، لكي تحصل على فيزا دراسية لابد أن يكون لدى الطالب مستوى محدد من اللغة الإنجليزية. وينطبق الحال نفسه  في حالة طلب فيزا الاستثمار وريادة الأعمال أو للعمل في اي مجال عملي من مجالات الطب والهندسة والإدارة وغيرها من المهن إيمانا بأهمية أن اللغة وسيله هامه في اندماج العاملين في المجتمع وتعزيز التفاهم والتعايش وفهم الأخرين وبالتالي فهم ثقافات الدول التي تعمل او تعيش فيها.

مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يستطيع أن يساهم في تطوير التشريعات والأنظمة التي تساهم في تمكين المنظمات والجهات الاخرى لتحقيق الأهداف المشتركة مع مجمع الملك سلمان. أحد أهم أهداف المجمع الجديد هو تقديم اختبار قياس اللغة العربية. هناك مبادرة من المركز الوطني للقياس ومبادرات أخرى من عدة جامعات سعودية وتم عقد عدة اتفاقيات مع جامعات وجهات لتقديم اختبارات قياس اللغة العربية عالميا إلا أنها لم تنجح أو لم تستطيع الحصول على المرجعية والقبول المحلي والعربي والإقليمي والعالمي وقد يكون غياب الهدف من قياس اختبار اللغة العربية سبب لعدم نجاح التجارب السابقة.

قبل عدة أسابيع تم الإعلان عن توقيع اتفاقيه بين هيئه تقويم التعليم والتدريب السعودية مع ETS وذراعها ETS Global BV لتقديم اختبارات وقياس اللغة محليا وعالميا. تكامل الأدوار مع مجمع الملك سلمان في وضع التشريعات اللازمة مع الجهات الرسمية داخل السعودية يساهم في تمكين الوزارات والمؤسسات والجامعات والكليات في تأهيل مراكز الاختبارات المختصة وعقد الشراكات المحلية والعالمية لتحقيق أهداف مجمع الملك سلمان في زيادة الأبحاث العلمية والنشر وتدريس اللغة العربية في الجامعات العالمية وتمكين اللغة العربية في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي وربطها باحتياجات الأجيال والمجتمعات المختلفة.

تتفاوت أهميه تحديد قياس اللغة العربية بين السياسة والاستثمار وجذب الباحثين عن فرصة الحصول على الإقامة الدائمة السعودية وبين أنواع المهن بكل تصنيفاتها. كما هو في معظم الدول المتقدمة وجود مستوى محدد في فهم اللغة العربية بساهم في تسهيل نجاح أعمالهم والاندماج والتعايش داخل المجتمع مع تفهم الثقافات ليكونوا سفراء في المساهمة في انتشار الثقافات عند عودتهم الى دولهم.

مد الجسور بين الوزارات، على سبيل المثال وزارات الثقافة والتجارة والاستثمار والحج والصحة والخارجية والاتصالات وتقنية المعلومات والتعليم والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مع مجمع الملك سلمان سوف يفتح أفاق جديدة للابتكار والإبداع ويساهم في تطوير المنتجات والخدمات وتحديد مستويات أولية للغة العربية تتناسب مع المهن وإدراج اختبار قياس اللغة العربية كشرط للحصول على بعض أنواع فيزا العمل او الإقامة الدائمة.

على سبيل المثال، وزارة الصحة تستطيع لعب دور هام مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية لتمكين مبادرات حقائب اللغة العربية للممارسين الصحيين الغير ناطقين باللغة العربية عند التعامل مع المرضى لتقليل نسبة الأخطاء الطبية. وزارة الاستثمار والتجارة يمكن لهما قيادة مبادرات اللغة العربية للأعمال والاستثمار وفهم الثقافة التجارية للأسواق السعودية. وزارة الحج ممكن تلعب دور محوري في تمكين مبادرات قائمة مثل مبادرة شركة وادي مكة لحقائب الحج والعمرة. وزارة الرياضة ووزارة السياحة يمكن لها تطلق العنان للإبداع والابتكار في برامج وتطبيقات باللغة العربية تساعد العاملين في القطاع الرياضي من غير الناطقين بها وتمكن السياح في فهم أكبر للحضارة والثقافة السعودية.

وزارة الثقافة تميزت بإطلاق مبادرات نوعية محلية وعالمية سوف يكون لها أثر كبير على المدى البعيد في إحياء وتعزيز ونشر حضارات شبه الجزيرة العربية ونقل الثقافات السعودية الغنية والمتنوعة الى العالمية مع تعزيزها محليا. التعاون مع الجهات السعودية الحكومية والخاصة في الخارج سوف يساهم في تحقيق الأهداف المشتركة لوزارة الثقافة ومركز الملك سلمان العالمي للغة العربية. أحد الصروح السعودية في الخارج هي أكاديمية الملك فهد في مدينة لندن البريطانية التي تأسست عام 1985م وتقدم الخدمات التعليمية من مرحلة التمهيدي الى مرحلة الثانوي وتملك مباني ومساحات حديثة وزار أكاديمية الملك فهد شخصيات ملكية سعودية وبريطانية وأعضائها من العاملين والطلاب والطالبات يمثلوا جنسيات وثقافات وأعراق مختلفة. تخرج من الأكاديمية شخصيات عربية وغير عربية أصبحوا ذو مناصب اعتبارية. وزارة الثقافة مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية وبالتعاون مع أكاديمية الملك فهد ومجلس أمنائها يستطيع ان يجعل أكاديمية الملك فهد، بالإضافة لكونها مدرسة تعليمية عريقة، أن تكون أيقونة وواحة ومعلم حضاري وثقافي ومركز للتدريب ولتعليم واختبار قياس اللغة العربية ومركز للابتكار مزود بأفضل التقنيات ومعلم جاذب لزيارات المدراس الأخرى.

أخيرا، أتمنى وجود صندوق لرأس المال الجريء ضمن مجمع الملك سلما، وتعاون مع الحاضنات والمسرعات ومراكز الأبحاث لدعم الأبحاث القابلة للتحول التجاري واحتضان الابتكارات التقنية التي تخدم أهداف مجمع الملك سلمان لنرى شركات ناشئة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والواقع الافتراضي والألعاب الرقمية والتعليمية والصحية والسياحية والثقافية والدينية وغيرها لتعزيز أدوار اللغة العربية محليا وعالميا.

دبلوماسية اللغات هي القوة الناعمة في تعزيز العلامة الوطنية وتسويق الدول والارتقاء بالصورة الذهنية للحضارات والثقافات ومجمع الملك سلمان سوف يكون أيقونة في تعزيز مكانة لغة القرآن وتسامح الأديان وتسهيل الحوار والتفاهم والتعايش والتنمية وتعزيز السلام والامن العالمي.

رد واحد على “مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.. أيقونة سلام ودبلوماسية وابتكار”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *