آراء وأفكار

قرى الجنوب كأنها حبات الكرز!

يوم ماطر في كل القرى الجنوبية التي نمر بها، الهواء عليل يهب من الوادي المحاذي بنسائم لذيذة وادعة، تجمله سحائب باهرة وغيوم، الحقول مزهرة، وأشجار التفاح والتين حبلى بالثمر، والحصادات تحصد القمح والشعير، والفلاحون منتشون بزهو لهذا الحصيد، حقول الصبار كثيفة على إمتداد الطرقات المزدانة بالرذاذ والضباب، أشجار السرو والطلح والعوسج مناظر جاذبة للعين، الممرات والطرق الملتوية كالحبال، أو كالعروق يحفها نباتات ملونة وبهية تجبرك على التوقف لبرهة لتلتقط بعض الصور، صوت الرعاة على سفوح الجبال وهم يندبون أغنامهم سمفونية عجيبة، لا سيما صوت المزمار بيد محترف، الباعة على الطرقات صورة أخرى من صور الفرح، الأهازيج الجنوبية والرقصات تبعث في الروح الحبور والسرور بلا حدود.

من نافذة شقتنا الحديدية والمدهونة بطلاء أبيض، والمطلة على الوادي العميق، يزورنا السحاب والضباب، حتى إننا نلتحف أحياناَ من شدة البرد المشبع بالرطوبة، منظر المطر يبعث في النفس السعادة والحبور، ويداوي أسقام الروح، ويجعل الأنف ينتشي برائحة التراب المبلل، والعين تسرح في خيال بعيد، في الطرقات التي نمر بها تظهر لنا حقول الذرة والقصب مزدانة بهية، السهول والجبال هناك خضراء تسر الناظرين، والأمطار لا تنقطع تزور الأرض كل حين، الجنوب جله مزدان بلوحات الجمال والحسن والبهاء، فالزرع ينمو، والضرع يدر، والسواح هناك في حركة دؤوبة وكثيفة، والفرح هناك كرنفال لا ينقطع، سيما وأنت مع صحبة راقية فاخرة، يصبح المكان والزمان عندها كأنه يسبح في الوان مغايرة بهيجة، كأنه برتقال ورمان وتين وكرز، وكلما هب النسيم العليل من تجاه الأودية ترتفع الروح مزدانة طربة بهذا الهواء البليل، وحتى عندما تعوي الريح في قلب الوادي، أو من ثقوب الباب والنافذة تصبح عندها الحالة مغايرة، وتشعل في النفس السكينة والخدر.

خمسة أيام قضيتها مع أصحابي الفاخرين، استحضرنا فيها الفرح بكل أشكاله وألوانه، وحتى الذكريات استرجعناها كأنها وليدة اللحظة، لقد ضحكنا وفرحنا طويلاَ حتى توارى ضحكنا وفرحنا ما بين الجوى والجوانح، بعد حين لملمنا أغراضنا لنودع الغيم والديم والسحاب والمطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *