الرأي

نجوع ونعرى!

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

كلما قال له القوم لاحاجة لنا في العمالة المخالفة أو التي تقدم خدمات بمقابل زهيد، إلتفت إليهم وأرعد وأزبد قائلا: (هل تريدون أن نجوع ونعرى؟)، فيصاب القوم بالخوف ويصمتون مضطرين للتعايش مع الإخوة من باكستان الذين يحتلون زاوية مدخل الحي – الذي يقطنه القوم – لتقديم خدمات اللياصة والدهان لكل عابر منتزعين بلاط الرصيف ليجلسوا عليه انتظارا لزبون يبحث عن الخدمة بأرخص الأثمان، وفي الزاوية المقابلة إخوة لهم من أثيوبيا يستوقفون المارة لعل هناك من يحتاجهم لرفع أكياس الإسمنت أو تمديد الكهرباء في فيلته التي تُبنى، وعلى زوجاتهم وأبنائهم أن يتعايشوا مع نظرات الإخوة – محتلي الزوايا – التي تأكلهم كل يوم عند ذهابهم لمقار العمل ولمدارسهم، فالإخوة ليس لديهم مبدأ غض البصر ولا المحافظة على نظافة المكان ولا حق الطريق ولا المحافظة على الأماكن العامة، لكن ما باليد حيلة فهم إخوة لهم وإضافة لإقتصاد بلادهم كما صرح أحد المسؤولين.

أما المحلات الصغيرة التي توظف الإخوة من الهند، والإخوة من بنغلاديش الذين يساهمون في نظافة الحي، و الإخوة من نيبال الذين التي يرصفون شوارعهم ذوي الأجور الزهيدة والبضاعة الرخيصة وتكاليف معيشتهم تكاد لاتذكر، فقد كانوا من أبرز النجوم كلما حدثت مصيبة أو جائحة في الحي ، فجار القوم اشترى بضاعة مجهولة المصدر من البقالة وتسمم وجارهم الآخر زاره بعض الإخوة واقتحموا خيمته عصرا وسرقوا جواله تحت تهديد الساطور، أما سائق جارهم الثالث فقد تمرد لأن أحد الإخوة في محل السباكة في الحي خببه على كفيله ليعمل معه في سوق البناء، أما بعض إخوتهم العرب من نفس فئة العمالة فالمجال يضيق للتحدث عن براعتهم وتمكنهم من علوم التغلغل الذي يمكن أن يدرس لطلاب الأعمال والريادة.

في نهار أحد أيام الأسبوع، اتصلت أم العيال عليه وسط معمعة الدوام لتخبره أن العاملة المنزلية التي تم استقدمها مؤخرا – لترعى الحرث والنسل وتقوم بأعمال الطبخ والنفخ – هربت تاركة وراءها آخر العنقود وحيدا أثناء تواجدها في المدرسة – جارتها كانت نجدة من الله لتبلغها – بكل سكينة وطمأنينة قال لها أبوالعيال المكافح: لاعليك سوف نحضر بديلة لها من إحدى الشركات التي تقدم خدمة توفير العمالة المنزلية وتوبة نستقدم على كفالتنا، أما آخر العنقود فسنضعه في مركز ضيافة الأطفال، هدأت أم العيال وحمدت الله على السلامة وأنها لن تضطر لأخذ أجازة وتتسبب في تعطل المنهج وتوقف الراتب ومن ثم دفع الأقساط، وتذكَرت كيف كان حال العاملات المنزليات تماما كحال عمالة الطريق ولكن بتوقيع أحد المسؤولين أصبحت صعوبات الحصول على عاملات منزليات أو طاهيات أو ممرضات تكاد لا تذكر، وتمنت البدء في توطين بعضا منها مثل التمريض والطهي.

إذا لماذا يقول الصديق المرجف أنهم سيجوعون ويعرون؟ فالجهة التي استطاعت تنظيم وضع العاملات المنزليات -الذي كان أقل ضرراً على المجتمع أمنيا واقتصاديا وصحيا رغم تداول فظائع بعضهن إعلاميا – واستطاعت بين عشية وضحاها طرح حلول متنوعة وشاملة قابلة للتحسين ولم تجعل العوائل تجوع وتعرى، يمكنها بنفس القلم أن يوقع المسؤول فيها على تنظيم مشابه لتوفير جميع المهارات المطلوبة وفق معايير ومواصفات جيدة بدلا من الاستقدام الفردي – الذي اخترقه تجار الإقامات وأغرقوا المجتمع بعمالة الزوايا – وبهذا يحصل المجتمع المدني ومجتمع الأعمال على ما يحتاجه من مهارات هم فعلا بحاجة لها دون استقدامها على كفالتهم بعد توظيف المهارات الوطنية بالطبع، مما يخفف العبء عنهم، دون أن يتعرض المجتمع للخطر الذي ظهر جليا في جائحة الفيروس التاجي١٩، نعم المواطن وصاحب الأعمال لايمانعون الحصول على خدمة ذات جودة من عمالة مدربة تحت إشراف شركة تقدم ضمانة على خدمتها وموظفيها وعقود ذات صياغة عادلة وضامنة حتى لو كانت برسوم أعلى.

أما أن يتهدد الصديق المرجف بأن الكل سيجوع ويعرى حتى لا يفقد خدمات الرفاه التي يؤديها راغما عندما يذهب لأوروبا وأمريكا والدول المتقدمة، فهذا والله لهو الخسران المبين، أيرتضي الرفاه على حساب أمن مجتمعه و يمارس الإرجاف وجلد الذات و الانتقاص من أفراد مجتمعه ويرسخ الصورة النمطية بأن إخوته في الوطن أكل ومرعى وقلة صنعة، وتناسى أن أبناء وطنه قادرون بإذن الله على خلق الحلول كما يفعلون دائما.

ولمن منّ الله عليه بالخير الوفير وأصبح هامور كبير فهاهي فكرة تجعلك تكسب ذهبا، شركات خدمات لعمالة وطنية ومستقدمة مدربة تحت إشرافك وضمانتك تجعل المستفيد يدفع رسوم عادلة مقابل خدمة أجود، بشرط توفير بيئة جيدة لهم، أما إن كنتم مكتفين فأتمنى من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تبنيها بدلا من البرامج العديدة والميزانيات المصروفة على توطين المواطن في اقتصاد وطنه دون نتيجة ملموسة – وكأن التوطين ثقب أسود يبتلع المال والجهد – فلقد مل أبوالعيال وأم العيال من عمال الزوايا والمناظر المؤذية ويتمنون أن يحصلوا على خدمات بلمسة شاشة وهم شبعانين ولا عزاء للمرجفين.

رد واحد على “نجوع ونعرى!”

  1. يقول أ د . محمد اللحيدان:

    مقال رائع كالعادة من كاتبة ائعة يتلمس المشكلات ويعرضها بقالب ممتع يجذبك إلبه حتى نهايته ويطرح الحلول عن معرفة ودراية وتجربة . موفقة ومتميزة أستاذة حنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *