الرأي

يهود بنو قريظة ومسلسل أم هارون!

حبيب عبدالله

صحفي، عمل سابقا في الوطن، الشرق الأوسط، وصحيفة الوفاق الإلكترونية، ومجلة المجلة، ومجلة الفيصل.

‏لماذا كل هذا الجدل العربي والخليجي تجاه مسلسل “أم هارون” إلى درجة احتفاء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي به وتوجيه انتقاده لمعارضي المسلسل بأنهم كارهين لليهود.

هل الجدل في أصله هو هجوم على قناة MBC بسبب الاختلاف معها في توجهاتها ومحتواها المثير للجدل منذ سنوات وليس له علاقة بالمسلسل، أم أنه مجرد نقد فني بحت حول المسلسل. أم أنه لا هذا ولا ذاك. إنما حساسية ثقافية تجاه تناول مثل هذه القضية ومثل هذه الفئة من البشر المغضوب عليهم من رب العالمين ولا ذرة جدال في ذلك.

في الحقيقة هناك كره عميق لليهود الصهاينة لأنهم من أكبر مزوري التاريخ، اغتصيوا أرض فلسطين وقتلوا وهجروا الفلسطينيين العرب من مسلمين ومسيحيين بخرافات دينية مزورة وروايات توراتية محرفة. يلعبون دور الضحية بسبب هولوكوست واحد بحقهم، في حيت اقترفت أيديهم ألف هولوكوست بحق الفلسطينيين، ما زالوا يحتلون الأراضي ويتوسعوا يوما بعد يوما بحجج تاريخية مكذوبة وخيالية. وما زالوا ينبشوا في تاريخ اليهود وقصصهم في كل مكان من أجل توثيق أماكنهم وربما المطالبة بها مستقبلا، وهذا مكمن الخوف ربما عند الجمهور المعارض، وربما هذا سبب مثل هذه الحساسية تجاه هذا العمل، حتى وإن كانت القصة صحيحة، فهناك ألف قصة إنسانية وحقيقية يمكن تصويرها.

لذلك أعتقد بأن هناك مبرر بيّن لمثل هذه الحساسية الثقافية المطلوبة تجاه تناول مثل هذه القضية التي تصور تسامح اليهود وتعايشهم مع الآخر، وهم أبعد ما يكونوا عن ذلك وفي التاريخ شواهد كثيرة، وإن كان هناك في وسطهم من هو متسامح وإنساني ويعارض ما تقوم به دولة الاحتلال النازية. ولكن آلة الحرب الصهيونية التي تقتل وتسجن وتشرد صباح كل يوم، والآلة الإعلامية اليهودية القذرة بقنواتها الإخبارية العالمية وشركات إنتاج الأفلام الضخمة والمؤسسات الصحفية الجماهيرية التي تصور كل ما هو عربي وإسلامي أو كل ما هو متعارض مع رؤيتها ومصالحها بأنه إرهابي ومتخلف ونجس، لا تجعلنا نتسامح بتقديم وإنتاج مثل هذا العمل أو أي عمل يشيد بهم أو يعزز من إنسانيتهم كذبا وزورا.

لا يعني ذلك؛ العمل على تقديم كل ما هو سيئ تجاه عامة اليهود رغم سوءهم، أو تقديم كل ما يطعن في ديانتهم رغم تحريفها وترهاتها، إنما يعني ذلك عدم تقديم أي شيء يتحدث عن تسامحهم ويحسن من صورتهم الإنسانية المغشوشة وإن كان لهذه الصورة شواذ، وكذلك عدم تقديم أي عمل يتحدث عن حقهم في التواجد في أي مكان آخر وفي أي حقبة تاريخية بالمنطقة، ولنترك ذلك لكتب وأبحاث التاريخ لمن أراد قرائته وليس عبر الأعمال الفنية غير الضروروية، وليس عبر محاولة إيصال ذلك وبشكل درامي للأجيال الشابة كما صرحت الممثلة حياة الفهد؛ وكأن الأجيال الشابة لا ينقصها سوى معرفة تسامح اليهود ووجودهم في أي دولة خليجية. أو كما قال المتحدث باسم MBC بأن المسلسل يحمل رسالة إنسانية ويركز على التسامح والاعتدال والانفتاح.. وكأن رسائل التسامح والإنسانية لا يمكن إيجادها سوى في قصة يهودية.

مثلا، هل من الممكن مستقبلا ومن باب التسامح والتجرد تصوير مسلسل عن اليهود وحياتهم وديارهم ومزارعهم في المدينة المنورة قبل الإسلام، هل يمكن إنتاج عمل درامي يوثق وجود قبائل بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع في منطقة المدينة المنورة حتى جاءت نهايتهم بسبب غدرهم وتحالفهم ضد المسلمين. لا جدال في تاريخ وجودهم في كتب التاريخ، ولكن لا يمكن التسامح مع بشر مغضوب عليهم وطبيعتهم هي الغدر والخيانة على مر الزمان والمكان، وتصويرهم على أنهم ملائكة أو بشر أسوياء، وإن وجد من بيهم من هو كذلك فإننا نحترمه ونقدره ونتعايش معه ولكن بلا عمل فني جماهيري.

هناك آلاف القصص والرسائل الإنسانية التي يمكن تقديمها بشكل درامي بعيدا عن اليهود ومحاولة تجميل صورتهم بأي شكل كان. قصص أبطالها في الخليج من عرب وهنود وباكستانيين وفلبينيين مسلمين ومسحيين، قد نخرج منهما بعمل درامي كبير وإنساني. ليت ‎القناة أو منتج وكاتب المسلسل أو غيرهم من العاملين في هذا المجال الفني أن يقدموا أي عمل درامي حول ذلك. هناك قصص فئات ومكونات مجتمعية في بعض دول الخليج اضطر بعض أفرادها إلى دفع مدخراتهم ومعاشات تقاعدهم من أجل شراء الجنسيات والجوازات من الصومال والسودان وجزر القمر والدومينيكان من أجل أن يحصل أبناءهم على العيش الكريم والتعليم والعلاج في بعض دول الخليج التي ولدوا وعاشوا ودفنوا فيها. في حين استطاع بعضهم الآخر في نهاية المطاف الهجرة واللجوء إلى دول مثل السويد وألمانيا وكندا وأكثرهم إلى بريطانيا. واضطر آخرون مثل آل مرة بعد طردهم من دولتهم وتجريدهم من الجنسية إلى ترك ممتلكاتهم وأعمالهم ومنازلهم ورائهم، وكأنها شيئا لم يكن.

هناك قصص كثيرة أكثر حاجة لتسليط الضوء عليها وعلى شخصياتها، أكثر حاجة من اليهود المكرمين في كل مكان بالعالم، فاليهود ليسوا بحاجة إلى من يقف معهم ويناصر قضاياهم المزيفة أو يمثل قصصهم ويتعاطف معهم. والأدهى من ذلك مصيبة توثيق تاريخ يربطهم بالمنطقة حتى وإن كان صحيحًا. فقد سرقوا فلسطين منذ خمسين عام بتاريخ مزور وخزعبلات توراتية، فكيف إن وجدوا التاريخ والوثائق والتعاطف المبني على مسلسلات غبية وغير مسؤولة، أبطالها عرب وبأموال عربية سفيهة.

فعلا نخشى أن يأتي مستقبلا من يكتب أو يتجرأ على تصوير مسلسل عن قبائل اليهود وقصة استيطانهم في المدينة المنورة، ويتحدث عن الظلم الذي تعرض له اليهود عندما طُردوا من المدينة. كل شيء وارد فهناك من هو مستعد لإنتاج مثل هذه الأعمال، ومحاولات التطبيع لن تنتهي.

ردان على “يهود بنو قريظة ومسلسل أم هارون!”

  1. يقول عبدالله الحربي:

    لقد انتقدت باسلوب علمي واعي وواقعي
    وأشرت لتاريخ لايمكن ان يزيّف وقد زيّف على أيدي المتصهينين
    لكن يصدق بهم قول شاعر الوطن
    ( من دون صهيون اذتنا صهاينا )
    ‏فهي تجني على قيمنا وتاريخنا
    ‏وديننا
    فهم مطايا الاعداء في كل زمان

    صح قلمك يا أخي وبارك الله فيك

  2. يقول Aml:

    أحسنت التوضيح
    بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *