الرأي , ساقية

(حُبُّ القِرَاءَةِ)

هدى الناصر

كاتبة وقاصة

لطالما أعتقدت أن في الجنّة كتباً ، كما الفواكه و النعماء الأُخر ..
كنت أجزم مرددة أحياناً – بيني و بين نفسي –
لابد للجنّة من مكتبة و أرففاً جميلة و أنواراً باهرة .. صُفّت الكتب كالأقمار بأعلى موضع مشّع ملون .. محابر ، أوراق ، أدوات تدور لتصل من يشاؤها ..
{ عَلَّمَ بِالقَلَمِ } إذاً .. ربما أمكننا رؤية القلم أول مخلوق حاوره الله عزّ و جلّ .

هكذا أكون في مجاراة مع خيالي ، ينتقل بالأضداد معي ، فلا ترضيني الإفاقة منه ، ولا التحدث عنه كي لا أواجه بتعنيف من نوع رفيع !

قراءة الكتب ليست مُلحة نقصّر أوقاتنا بها ، يُقال :
” إنها لخسارة كبرى أن تذهب إلى نهاية العام بعقلك الذي ابتدأت به ”

دينٌ يبدأُ بكلمةِ { اِقْرَأ } هوَ دينٌ عظيمٌ .
دينُ يحمل ذاكرة من الكتب و مخزن العبارات التي شكّلت المهارات ..

كل كتاب لغز مُغلف بالغموض في أحجية مبهمة ، نكتشف الدروب من شموع كلماته

ليس مخجلاً أن تتصفح يد أحدهم كتاباً في مكان عام ..
لا شيء يُكونُنَا أناساً مختلفين إلا القراءة
لا دين ، لا الأخلاق ، ولا عرف .. و لا أي شيء ، إن تخلّى المرء عن الإيمان بكلمة { اِقْرَأ } المفتاح السحريّ لأبواب الحياة .!

الثقافة مصنع الكتب ، و لا يمكن الحكم على جودة عمل إلا بمزيج من ثقافة الصانع
كيف أثق بطبيب غير مثقف ، أو معلم غير مثقف ، أو نحّات أو زارع غير مثقف .. ؟!
حتماً سيقطع كل منهم شوطاً طويلاً حتى تعلمّه ‘ التجربة ‘ ، قد يكفيه العناء لو قرأ أكثر .

حين نعطي الآخرين ، فلنكن أمناء عليهم ..
فرق أن تدرس من أجل المهنة ، أو تكون قارئاً ، سيبدو لك التمايز واضحاً بين موظف و آخر ، و بين تاجر و زميله ، بين كل موهبة أُهملت و أخرى نهضت ..
شهرة ( المتنبي ) لم تعتمد على ضلع الموهبة فحسب ، و لا هي من عملت على سيرورة شعره ، حتى نظر الأعمى إلى أدبه و اسمعت كلماته من به صمم .. بل إن الشاعر العظيم كان مثقفاً ، ينهل من خزائن مكتبة ( دار الحكمة ) التي أنشأها الخليفة العباسي هارون الرشيد .

‏اقرأ ولو تعددت شاشات الحروف .. ورقية أو ضوئية
اقرأ ليتحول علمك و عملك إلى فن جديد نابض بالحياة
‏اقرأ لأسباب متشعبة و مهمة لك أنت خاصة ، ستعرفها في كل مسافات حياتك .

كُلُ ما لم يكنْ من الصعبِ في ** الأنفسِ ، سهلٌ فيها إذا هو كانَ
– المتنبي

عُرف الكاتب ( بورخيس ) بمقولته الشهيرة : دع الآخرين يتباهون بالكتب التي ألفوها ، أما أنا سأفتخر بعدد الصفحات التي قرأتها .
و يقول : أبي، قدم لي مكتبته، التي بدت لي لانهائية .. وقال : اقرأ كل شيء، لكن إذا شعرت بالملل، اتركها فوراً، هذا كل شيء .
..

استيقظت صباح يوم 23 ابريل ، الذي تحتفل به منظمة اليونسكو ك ( يوم عالمي للكتاب ) .
تآلف بي الفرح وفاءً للكتاب .. و كان أجدى أن أعقد له احتفالاً بهيجاً في ساحة صدري الذي كان أوعى وعاء له ..
فكانت هذه الكلمات .

فلكل الذين قرأت لهم .. شكراً .

رد واحد على “(حُبُّ القِرَاءَةِ)”

  1. يقول ميسون الدهام:

    مميزة دائمآ أستاذة هدى في طرحك وانتقائك للكلمات
    أجزم أن القراءة نفسها تبتهج فرحآ عندما تتباهين بها .. جديدة دائمآ في مقدمتك للكتابة ومثيرة في خاتمتك
    شكرآ لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *