الرأي

حوار القهوة

أسماء العبداللطيف

كاتبة سعودية،مدربة معتمدة في القراءة

لسنوات كان بريد “أوزليم جيجك” يمتلئ برسائل الكراهية و الإساءات الشخصية . وهذه المشاعر فياضة و غزيرة في مواقع التواصل الاجتماعي !!

ليس في بريد “جيجك” فقط ، فعندما يعجز الإنسان عن الفهم يعبر بطريقة عدوانية يدافع بها عن حيرته وعجزه عن الإدراك ، من النادر جداً أن يكتب لك شخص (أنا لا أفهم مالذي تقصد .. أنا لا أفهمك… هل من الممكن أن تفسر لي … هل استطيع الحديث معك ) أو يحمل في ذهنه مفاهيمه الخاصة التي يريدك أن تكتبها وتؤمن بها الدهر كله أو يكرهك بكل حماس .

فالكارهون أشخاص يعيشون بتوقعات عالية جداً أنهم الأفضل وعلى الجميع أن يؤمن بهم .
الكارهون يتمتعون بعنصريات مختلفة جنسية و دينية و فكرية … وربما مواقف طفولية حملوها معهم طوال تلك السنين ومن الصعب أن يتخلوا عنها وكأنه تخلي عن تاريخهم وذواتهم..
لنعود لبريد “جيجك” وهو يبتلع كل يوم سيل من الشتائم العنصرية والدينية القاسية جداً ، لتخرج الكراهية عن السيطرة حتى وصلت للتهديد …مما دفعها لتغيير منزلها لتحمي عائلتها من هذا الجنون.

“أوزليم جيجك” كردية الأصل انتقل والدها للعيش في الدنمارك وهي طفلة وفي عام 2007 ترشحت للانتخابات البرلمانية الدنماركية كأول امرأة تنتمي إلى الأقليات ، انتخبها الشعب ولكن سرعان ما اكتشفت أن الجميع ليسوا سعداء بها ..على العكس تماماً .

اعتادت على كل تلك الكراهية وكل ما كانت تفعله مسح كل رسالة تصرخ بها … فلم تكن تشعر أن هناك قواسم مشتركة بينها وبين هؤلاء الناس حتى ترد عليهم أو تجري حوار بسيط يحمل عمق رسالتها .

تقول :
في أحد المساءات كنت في منزل أحد الأصدقاء وكنت غاضبة جداً و مستاءة بسبب كل هذا الكره وكل هذه العنصرية …
فقال لها صديقها عليكِ التواصل معهم وزيارتهم ..
قالت : سوف يقتلوني ..
قال : لن يجرؤوا على مهاجمة عضوة في البرلمان الدنماركي …. وإن قتلوكِ فأنتِ شهيدة !! أنتِ فائزة في كل حال ، وأعتقد أنه كان يحاول أن يبعثر غضبها كحال الأصدقاء عادة في مثل هذه الأحوال..

تقول : عندما وصلت إلى المنزل ، فتحت البريد وقررت التواصل مع أكثر الأشخاص كره ، اتصلت به وصدمني بالرد فعرفته على نفسي وقلت : “أريد شرب القهوة معك في المنزل للتحدث عن رسائل الكراهية”، فكان الصمت سيد الموقف ، ثم قال : “عليّ استشارة زوجتي “!!

تقول : ” التقينا بعد يومين و لن أنسى المشهد حين فتح لي الباب ومد يده لمصافحتي” ، تقول :”شعرت بخيبة أمل كبيرة لأنه لا يشبه رسائله ولا الصورة التي في ذهني ، كان شخصا ودودا ومنزله يفوح برائحة القهوة ، لم يكن شرسا يسكن منزلا فوضويا ، مضت ساعتين معهم لنكتشف أن بيننا قواسم مشتركة كثيرة ، وكان شخصا منفتحا ومن الشيق الحديث معه ، لكنه عنصري فلم أحب أن يكون بيننا قواسم مشتركة ، حزنت لأني أحكم على الأشخاص حكما كليا وقاطعا من رسائلهم مثلما كانوا هم متسرعين في الحكم علي .
فكانت البداية لهاشتاق #حوار_القهوة

أجلس مع الذين أرسلوا لي أكثر الكلمات فظاعة ، لمحاولة فهم هذا الكره رغم أنهم لا يعرفونني..تعلمت من خلال ثماني سنوات :

_أن أضع مسافات بيني وبين وجهات النظر التي تحمل الكراهية لا الأشخاص .
_اكتشفت أن الأشخاص الذين حاورتهم يخافون من الأشخاص الذين لا يعرفونهم مثلما كنت أنا خائفة منهم .
_يرمون أسباب الكره لكل شيء : الإعلام ، السياسة ، الدين ، المجموعات إلا أنفسهم حتى أسألهم(ماذا عنك) يتخلصون من السؤال..أنا لا أمتلك تأثيرا أو سلطة !!
والحقيقة أننا جميعاً نمتلك سلطة وتأثيرا أينما كنا ..
_علمني حوار القهوة أن الجميع يمتلك قوته الخاصة .
_نستطيع الحد من الكره بالأحاديث والإصرار على حوار لا يقوم على شيطنة الآخرين ..

* ولأنا علمنا منطق الحب كانت الكتابة عن الكره شاقة جداً … فكيف بالعيش مع مثل هذه المشاعر !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *