الرأي , هواجيس

العائلة الإلكترونية

خلقنا الله لنعيش جماعات ونبذ لنا التفرد بالحياة والعيش في صومعة والسكون لقمقم ما .. نحتاج أن نعيش كأسرة صغيرة ضمن محيط أسرة كبيرة .. وبذات الوقت ضمن منظومة أصدقاء وأقارب وزملاء وغيرها.. لكي نكون أكثر تماسكاً ووحدة.. يقول من خلقنا عزّ وجلّ (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)).

في عطلة نهاية الأسبوع كنت في خارج المنزل معظم الوقت.. أمشي متأملاً  بين المقاهي والمطاعم في أحد المجمعات التجارية.. وجدت زوجين تتضح من ملامحهما أنهما حديثا عهد بالزواج.. في مقهى.. هي منكبة على جوالها.. وهو منكب على جواله.. القهوة بردت .. وطبق الحلوى يبدو أنه كان للتصوير تُرك في حاله.. كانا على ذلك الموقف قرابة عشر دقائق.. وسؤالي لهما : “لماذا تزوجتا وخرجتا للمقهى؟”.. المصيبة كل واحد يبتسم وهو يشاهد الردود في جواله.. أين مشاعركما وأحاسيسكما وعنفوانكما وحبكما وعشقكما .. طأطأت رأسي ومضيت..

مررت بكراسي انتظار كثيرة.. فوجدتهم وكأنهم في تكبيرة الإحرام.. الكل خاشع رأسه نحو الأسفل.. توقفت متأملاً .. بالكاد تشعر أنهم بشر.. وكأنهم روبوتات على هيئة إنسان.. وفي مطعم ما.. ثلاث نساء ينتظرن طبقهن.. كل واحدة وجهها متوشح البياض ليس بسبب عمل خيري.. وإنما من شاشة الجوال..  كنّ على ذلك الوضع لربع ساعة تقريباً.. وصل طعامهن.. وأخذن ربع ساعة لتصويره.. بعدها مضيت في طريقي ولا أعلم إذا كان ذلك الطعام للأكل أم للتصوير..

جلست على كرسي متأملاً المشاة من اليمين لليسار ومن اليسار لليمين..  معظمهم منكب على الجوال .. استمتعت بأحدهم وهو يصدم عمود نور.. وأحدهم إصطدم بغيره من ذات الفئة.. لو كنت حرامي أو نشال .. لكسبت الكثير ذلك اليوم..

ذهبت بإتجاه الملاهي في ذلك المجمع.. ولم أجد الكم الهائل من الأطفال..  معظمهم منكب على شاشة الأيباد (ولسان أمه يقول: هماه ساكت يكفي)  فهي تريد أن تنكب على جوالها..

حتى المطاعم والمقاهي لم تعد تهتم للجودة في منتجاتها.. وإنما لغرابة التقديم.. صحب منثور فيه فتات بسكوت ومنتثر في طرفه شوكولاته وشلقة موزة منسدحة وبودرة قرفة منثورة.. خرابيط غذائية مخصصة للتصوير..  وغيرها الكثير..

لا يعلمون أنهم مستعبدون..  تركوا أجمل مشاعرهم مكبوته.. فالأزواج الجدد..  ربما أخذوا عقد النكاح لتكون جلستهم مع بعض حلال فقط.. أين بناؤكما للحياة أين مشاعركما التي تبني علاقتكما ..  أنتما لا تعيشان حياتكما .. بل تعيشان وفق قواعد من استعبدكما (برامج التواصل).

ختاماً جربوا تخرجون من النزل للترفيه أو الأكل وتضعون جوالتكم في منازلكم لمدة ساعتين.. وعيشوا حياتكم الطبيعية.. أنتم لا تعلمون أنكم في سجن الكتروني.. أرفع راسك عزيزي الزوج وقل لزوجتك أن تضع جوالها في حقيبتها وأمطرها بالغزل.. والنكت والسواليف..  شف فرق الحياة بعدها..  لا تكن زوجا إلكترونيا وزواجكما مجرد زواج الكتروني.. والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *