الرأي

( الحرف الأوفى )

هدى الناصر

كاتبة وقاصة

( الحرف الأوفى )

‏استدعاء الأفكار للكتابة ثم توليفها بمفردات معبّرة ،ثم حمل بعضاً منها بسفينة المشاعر .. يحتاج وقتاً و جهداً من ( الكاتب ) للإبحار بمهارة و لتصل لسواحلها بحذر

‏هذا ما لا يعلمه غير الكاتب ، ظاناً أن الكلمات جاهزة في أحد أدراج المخ ، يفتحه ليضعه أمام أي طالب لها في أي مناسبة يرغب .
‏ ‏
جئتُ ذات صباح إلى المدرسة و حال دخولي للتوقيع بالحضور ، و إذا بإدارتي الموقرة و قبل حتى خلعي لعباءتي ، تطلب مني على عجل ، أن أكتب لهم كلمة لمناسبة ما ، كي تُلقى في الإذاعة الصباحية
‏حاولت التملص و إفهامهم أن الأمر لا يُجدي بتاتاً ، ولكن كان مما ماله بدٌّ
‏ اضطررت لإخماد فتنة قد تحدث لاحقاً لهم على الخصوص ، وتلافياً أن تصيبني بعضاً من شظاياها ..فأعلنت شروطي -المستبدة- ، وهي
‏التفرغ بغرفة الوكيلة وعدم الدخول لأتمكن من استجداء الإلهام فلربما لم يستقظ بعدُ ، و كتابته برشاقة فنيّة لبضع دقائق
‏مهيئين لي كافة الإمكانات لحين وصول موكب الخطاب ، الذي ستلقيه مديرة المدرسة

‏.. هذا الأمر و أمثاله و إن اختلفت صياغة الحدث ، يتكرر كثيراً على أي فرد يُعرف بإجادته لمَلَكة الحرف ، مروراً بأصعبها و هو ( التأليف ) و الأقل كـ ( التنقيح ) .. لكن الأدهى على الإطلاق أن يأتي أحدهم متلمساً ” نصّاً أدبياً ” ذو شجون ، كي يرسله مذيلاً بأسمه !

‏لا يعنيني ما يطلبون ، فلعلها حاجة عارضة لديهم ، ولا بأس بتقديم المعونة المحدودة كالكتابات الرسمية و ما شابهها .

‏ ‏و لكن هل أدركوا كم أن ” عامل الوقت ” مهم لإشعال جذوة الإلهام التي قد تستعصي أحياناً على الكاتب نفسه حين يستدعيها فلا يجدها رغم اصطخاب مشاعره الداخلية !

‏ و لو كان الإلتماس من أجل ” نص أو حتى تغريدة صغيرة المقاس ” هل يتوقع هؤلاء مثلاً ..أن الكاتب يمتلك مهارة قراءة الطالع ليتكهن بكامل إحساسهم وعمقه ؟
فتتدفق أفكارهم إليه كالسيل العرم !
‏ثم عليه أن يتلبس بشخصياتهم كيفما و متى شاؤوا !
يقول الفيلسوف الفرنسي نيتشه : الأسلوب هو الرجل .
الكُتّاب ليسوا نسخاً متشابهة ، ولا مكررة ، ولا بعدد أصابع اليدين … إنهم كالنجوم ، كرذاذ الذهب اللامع ، هم سكون الليل ، و صوت النهار اليافع

الكاتب هو الشعور أولاً ، قبل الفكرة ، و بدء الحرف

‏و الكتابة كالعطر لابد لها أن تختلط برائحة عرقك الخاص لتكون أنت .!

ردان على “( الحرف الأوفى )”

  1. يقول ليلى الجبرين:

    قلمٌ جميل وإنسانه رائعه ومشاعر متدفقه بالصدق والدفئ .
    هنيئاً لنا بك وباإبداعتك ولكل ماسيطره قلمك عبر هذا المنبر غاليتي هدى 🌹

  2. يقول مطلق ندا:

    “الكاتب هو الشعور أولاً ، قبل الفكرة ، و بدء الحرف.
    ‏و الكتابة كالعطر لابد لها أن تختلط برائحة عرقك الخاص لتكون أنت .!“
    ———————————
    ☝️ما أجمله من وصفٍ وكلام أديبتنا الرائعة جداً.
    مطلق ندا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *