الرأي

الدفاع المدني.. معلومات بسيطة جدًا ولكن مكلفة جدًا!

حبيب عبدالله

صحفي، عمل سابقا في الوطن، الشرق الأوسط، وصحيفة الوفاق الإلكترونية، ومجلة المجلة، ومجلة الفيصل.

في لقاء ثريّ وماتع لم تنقصه الشفافية، ولم يغب عنه النقد من طرف وتقبل سهامه من الطرف الآخر، استضافت الجمعية السعودية لكتاب الرأي مدير عام الدفاع المدني بالمملكة الفريق سليمان العمرو، وعدد من كبار المسؤولين في إدارات الإعلام والتدريب والشؤون الفنية في هذا القطاع الحيوي، وهو لقاء مهم جدًا ضمن أهداف وفعاليات جمعية (رأي).

كشف اللقاء عن الهموم والأفكار والتطلعات المشتركة التي يتقاسمها العاملون في قطاع الإعلام والكتابة مع المسؤولين في مديرية الدفاع المدني، وأبرزها بطبيعة الحال الحرائق والأمن والسلامة والتشريعات القانونية في هذا المجال، من الأمور الصادمة التي كشفها اللقاء أن أغلب بلاغات الحرائق المنزلية يستقبلها الدفاع المدني بعد منتصف الليل، والتي تحدث نتيجة استخدام الأجهزة رديئة الصنع مثل التوصيلات وشواحن وأسلاك الجوال المقلدة، أو إهمال نار التدفئة داخل المنزل. وهناك إحصائية مهمة جدًا ذكرها العميد عبدالله الحارثي، المتحدث الرسمي للدفاع المدني، وهي أن 91% من وفيات حوادث الحرائق تكون بسبب الاختناق، وليس الاحتراق. لذا يقول الفريق العمرو أن كاشف الدخان صغير الحجم ورخيص الثمن، لكنه غالي النتيجة وعظيم الفائدة، جهاز ضروري في كل بيت، وهناك حملات توعوية بهذا الخصوص، ولكن في المقابل يرى كتاب الرأي أن كاشف الدخان يجب أن يكون شرطًا إلزاميًا عند البناء أسوة بالعزل الحراري وغيره، في حين أعلن الدفاع المدني أنه هذا الموضوع قيد الدراسة حاليًا.

وبخصوص الأجهزة الكهربائية الرديئة والمقلدة، لا تقع المسؤولية على الدفاع المدني، بل هي مسؤولية تتحملها وزارة التجارة والاستثمار والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وهاتان الجهتان تتحملان مسؤولية كبيرة في مراقبة جودة المنتجات الكهربائية ومخالفة المستوردين المخالفين والتشهير بهم، ومعاقبتهم إلى حد السجن وربما التعزيز، نظرًا لحدوث وفيات وخسائر فادحة بسبب هذه المنتجات الحساسة.

تتطلب قضايا الأمن والسلامة وجود تعاون تبادل دقيق للمعلومات مع الدفاع المدني من خلال التنسيق والربط الإلكتروني بينه وبين جهات ذات علاقة مثل وزارة العمل وهيئة المهندسين لتنظيم ومراقبة ومطابقة تجهيزات الأمن والسلامة في المنشآت التجارية والصناعية والخدمية.

من التحديات التي يواجهها قطاع الدفاع المدني في السعودية هي التنمية المتسارعة المتثملة في التمدد العمراني والظهور المستمر للأحياء الجديدة، والمصانع والمباني عالية الارتفاع، وعدم القدرة على مواكبة هذه العجلة المتسارعة، كذلك غياب تخصصات هندسة الأمن والسلامة والأمن الصناعي عن الجامعات السعودية، لذلك يوجد تعاون ومحادثات حاليًا مع وزارة التعليم بهذا الخصوص، إضافة إلى وجود تدريب مستمر لمنسوبي القطاع، كما ذكر العميد د. عبدالله الشمراني، مدير التدريب في الدفاع المدني، وذلك في تخصصات ومجالات كثيرة مثل مواجهة حالات الطوارئ والحماية المدنية والسلامة والإنقاذ والإسعافات الأولية وحتى الإدارة والقانون والعلوم المساعدة الأخرى. أيضًا من التحديات ضعف ثقافة التطوع في مجالات الدفاع المدني رغم وحود حالات وقصص تطوعية كثيرة لكنها غير منظمة. لذلك يولي الدفاع المدني حاليًا أهمية كبيرة لموضوع التطوع أكبر من السابق، وهناك استقطاب وتأهيل وتدريب وتنسيق مع المتطوعين في هذا المجال، لا سيما للمساهمة في المواسم التي تكثر فيها الحوادث أو المناسبات التي تتطلب جهودًا بشرية كبيرة مثل موسم الحج ورمضان. ويوفر الدفاع المدني تطبيقي “فزعتي” و”سلامتي” الإلكترونيين ويمكن تحميلهما والتسجيل بلهنا بسهولة عبر الجوال، يتيح تطبيق “فزعة” طلب العون والمساعدة من الدفاع المدني وحتى الإبلاغ عن الحوادث، في حين يتيح التطبيق المهم الآخر “سلامتي” الإبلاغ عن مخالفات الأمن والسلامة في المنشآت العامة والخاصة والأماكن العامة. ويمكن جميع المواطنين من التطوع والمساهمة في خدمة أمن وسلامة المجتمع من خلال هذين التطبيقين.

يعمل الدفاع المدني وبشكل مستمر ومكثف على رفع نسبة الوعي وثقافة الأمن والسلامة عند المواطنين، ولكن بالمقابل لا يحرص ولا يبحث المواطن عن مثل هذه الإرشادات والتعليمات التوعوية إلى عند وقوع الحادث، لأن مثل هذه الحملات غير جذابة ومسلية بالنسبة إليه بغض النظر عن مدى الاحترافية في طريقة إخراجها أو ترويجها، وهي فطرة بشرية، فهناك فرق بين توعية في مجال الأمراض والسلامة، فطبيعة الإنسان يخاف من مرض السكر أو السمنة مثلا أكثر من مسألة وجود باب للطورائ أو طفاية حريق في المبنى أو كاشف دخان في الغرفة. أيضًا نشاهد أحيانًا هرولة مشاهير شبكات الإعلام الاجتماعي لتغطية حادث أو كارثة والحديث حولها، ولكنهم يغيبون عن المشاركة التطوعية في حملات الأمن والسلامة التي يقدّمها الدفاع المدني، ويشترط بعضهم المال مقابل ذلك.

لذا يرى كتاب الرأي الذي حضروا اللقاء ضرورة إيجاد وتطبيق تشريعات قانونية لضبط عمليات التوسع في العمران ومواكبة التغيرات الكبيرة وخاصة في مجالات التجارة والصناعة، وكذلك يواكب هذه التشريعات عقوبات بحق المخالفين والمتهاونين في مجال السلامة وخاصة في المباني والعمارات والمصانع، مع الاستعجال بإيجاد قوانين خاصة بالأمن والسلامة في المنازل والعمارات السكنية.

وانتقد كتاب الرأي عدم قيام الدفاع المدني بكشف أخطاء وقصور الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية ومشاكل الأمن والسلامة في الشوارع والمباني، ولكن قد يكون هناك تبادل لمثل هذه المواضيع بشكل غير علني.

التوعية بالأمن والسلامة هي مسؤولية الجميع من مواطن ومسؤول ومقاول وتاجر، وليست مسؤولية الدفاع المدني فقط، ويجب عدم التهاون بمثل هذه المسائل، ومعاقبة كل من يتهاون وكل من يعرض حياته وحياة غيره للخطر أو للخسارة البشرية والمادية.

الجمعية السعودية لكتاب الرأي

الجمعية السعودية لكتاب الرأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *