الرأي

تطوير المنطقة الشرقية (5).. قطار ركاب إلى حرض

محمد السويكت

الرئيس العام السابق لسكة الخطوط الحديدية ، والوكيل السابق بوزارة النقل

قد لا يعرف البعض أن مسار الخط الحديدي بين الدمام والرياض لنقل البضائع والركاب عند إنشائه من قبل شركة أرامكو وتدشينه عام 1951م ، كان يبدأ من الدمام مروراً ببقيق ، والهفوف ، ومنها يتجه المسار إلى حرض والخرج ثم الرياض.

وكانت مدة رحلة قطار الركاب حوالي سبع ساعات ، وأذكر أني سافرت به مع والدي (رحمه الله) عندما كنت صغيراً في ستينات القرن الماضي ، وكان يوجد محطة للركاب في حرض ومحطة ركاب في الخرج.

وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي ، قامت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية ، بإنشاء خط حديدي موازي للخط القائم سابقاً من الدمام إلى الهفوف ، ومن الهفوف يتجه مباشرة إلى الرياض ، وخصصت هذا الخط لقطارات الركاب ، وخصصت الخط القديم لقطارات البضائع ، ومنذ ذلك الحين توقفت رحلات قطار الركاب إلى حرض والخرج.

وعندما توليت المسؤولية في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية عام 2013م ، كانت مشاريع إزدواج قطار الركاب بين الهفوف والرياض في مراحلها الأخيرة ، وكانت المؤسسة قد طرحت للمنافسة مشروع لإزدواج قطار البضائع من الهفوف إلى حرض والخرج بهدف رفع كفاءة تشغيل نقل البضائع من ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام إلى الميناء الجاف بالرياض.

وبحكم معرفتي بالمنطقة الشرقية ، من واقع عملي السابق في وزارة النقل ، وخصوصاً بعد أن توليت الإشراف العام على إدارة الطرق بالمنطقة من عام 2010 إلى عام 2013م ، فقد رأيت بأنه من المصلحة العامة ، إعادة تسيير رحلات لقطار الركاب إلى حرض ومن ثم إلى الخرج والرياض ، وهذا التوجه يتفق مع توجه الدولة لتعميم النقل العام على انحاء المملكة ، ومع الخطة الاستراتيجية لتوسعة الخطوط الحديدية بالمملكة ، ويتبين بأن يتفق مع أهداف رؤية المملكة 2030 التي صدرت عام 2015م ، ومنها تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين في المملكة.

وقد يتساءل البعض ، ما أهمية تسيير قطار ركاب إلى حرض ، التي قد لاتكون معروفة للكثير ، وما الجدوى الاقتصادية من وراء ذلك ، ولهذا أوضح بأن مركز حرض الذي يقع جنوب الهفوف حوالي (140) كلم ، وعلى تقاطع طريق الخرج / حرض / البطحاء ، مع طريق الهفوف / يبرين والطريق المؤدي للخرخير ، يمكن لمحطة القطار في حرض أن تخدم ما يتجاوز عشرين مركز وهجرة وقرية تقع جنوبها وشمالها وشرقها ، بالإضافة لمدينة حرض ، ستخدم مراكز يبرين ، فضيلة ، الحفاير ، الزايدية ، شجعة ، الخن ، الراشدية ، السالمية ، ومن الهجر والقرى ، عطية ، المشروع ، الشهامة ، العازبية ، أم أثلة ، القليبة ، الرافعية ، الدماغية ، بيان ، سلطانة ، الراجحية ، الاحمدية ، القصب.

وفي هذه المراكز والهجر والقرى كثافة سكانية ، منهم موظفين ، وطلبة يذهبون يومياً إلى الهفوف وبعضهم إلى الدمام ، كما أن هناك مشاريع لأرامكو تقع بالقرب من حرض ، ويتجه اليها موظفي الشركة يومياً ، بالإضافة لمشاريع لشركات زراعية مثل نادك وغيرها.

وعملياً فإن مبادرة إعادة تشغيل قطار ركاب من الهفوف إلى حرض ، تتطلب تنفيذ أربعة أمور أساسية تتعلق بالبنية التحتية :
الأول : إنشاء خط حديدي بمواصفات تتلائم مع تشغيل قطارات الركاب التي تسير بسرعة عالية.
الثاني : إنشاء جسور على الطرق التي يتقاطع معها الخط الحديدي ، لتأمين سلامة حركة القطارات والمركبات.
الثالث : تركيب سياج على جانبي الخط الحديدي لتأمين سلامة حركة القطارات من الجمال والمركبات.
الرابع : إنشاء محطة ركاب حديثة في حرض مع الخدمات المساندة لها ، منها خدمة حافلات لربط المحطة بالهجر والقرى المحيطة ، وانشاء مواقف للسيارات قصيرة وطويلة الأجل.
ولقناعتي بجدوى الفكرة ، فقد بدأت بخطوات عملية بهذا التوجه من خلال تعديل تصميم مواصفات مشروع إزدواج خط البضائع ، الذي كان مطروحاً للمنافسة في حينه ، ليصبح بمواصفات خط الركاب ، ومماثلاً لأزدواج خط الركاب بين الهفوف والرياض ، لتسيير قطارات بسرعة تشغيلية 200 كلم/ساعة ، وبناء عليه وقعت عام 2014م عقد المرحلة الأولى من ازدواج الخط الحديدي من الهفوف إلى حرض ، وعلى أن تكون المرحلة الثانية بين حرض والخرج.

وضمن هذا التوجه وقعت أيضاً في نفس العام عدداً من العقود لتنفيذ جسور على بعض الطرق التي تتقاطع مع مسار الخط الحديدي بين الهفوف وحرض ، وكان مخططاً أن يتم لاحقاً توقيع عقد لتنفيذ سياج على الجانبين ، وكانت تلك المشاريع يتم تمويلها من ميزانية المؤسسة ، ولكن فيما يخص إنشاء محطة ركاب في حرض مع الخدمات المساندة وتشغيلها ، فكان توجهنا بأن يتم ذلك بأسلوب الاستثمار بمشاركة القطاع الخاص بنظام الـBOT ، وكنا نجهز لذلك والتسويق لها على أساس أن تكون أرض المؤسسة في حرض المتوفرة بمساحة كافية منطقة لوجستية متكاملة ، فبالإضافة لمحطة ركاب حديثة تحتوي الخدمات الأساسية من مطعم ومقهى ومكتب تأجير سيارات ، ومواقف سيارات ، فيمكن أن يتضمن الاستثمار فندقاً أو موتيلاً ، ومجمع تجاري كبير يتضمن جميع ما قد يحتاجه سكان حرض وقاصديها وسكان المراكز والقرى والهجر المجاورة ، ومستخدمي الطرق التي تمر بها.

ومن الواضح أن فكرة المشروع توقفت بعد أن تركت العمل بالمؤسسة ، فلم يعد أحد يهتم بهذا التوجه ، رغم أن المشروع إذا اكتمل وتم تشغيله سيكون له تأثير إيجابي كبير في تطوير المنطقة الشرقية ، ومحافظة الاحساء خصوصاً ، ويجعل من حرض مركزاً حضارياً لجميع القرى والهجر الواقعة حولها ، كما سيساهم في توفير فرص وظيفية عديدة لأهالي المنطقة.

إلى من يهمه الأمر : هيئة تطوير المنطقة الشرقية ، محافظة الاحساء ، الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة الأحساء ، شركة أرامكو ، وصندوق الاستثمارات العامة ، مع أمل أن يكون لرجال الأعمال والقطاع الخاص بالمنطقة الشرقية عموماً ، وبمحافظة الأحساء خصوصاً أهتمام ومساهمة في الاستثمار بهذا المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *