صورة عن قرب: كيف تفهم محمد بن سلمان؟

يقول أحد المقربين من الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز واصفاً الرجل الذى يعرفه جيداً منذ أيام الصبا والتلمذة فى مدارس «الرياض» الشهيرة: «هذا رجل طيب، كريم، خلوق، يحترم من يكبره فى السن أو يزيد عنه فى العلم، لكنه لا ينسى ثأره، ولا يغفر الإساءة المتعمدة، ولا يسامح فى حقوق الوطن أو المواطنين».

ويضيف الرجل: «قد يدعوك الأمير محمد كصديق وضيف على عشاء فاخر فى منزله ولكن يمكن أن يعاقبك إدارياً فى صبيحة اليوم التالى لأنك قصّرت فى عملك».

الذين يعرفون الرجل يقولون إنه «عملى براجماتى إلى أقصى حد، والعبرة عنده بالنتائج والإنجاز وليس بالعلاقات الشخصية أو المجاملات العائلية».

حطّم محمد بن سلمان «قداسة عُرف عدم المساس بأى من المقربين أو العائلة المالكة» حفاظاً على الصورة العامة لشكل الحكم منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن.

الحكم مسألة المسائل، والنجاح فى الإنجاز هو المقدمة الأولى فى ترتيب أولويات الرجل، مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحيات، ومهما تجاوز الرجل المجاملات والتوازنات والحسابات العائلية أو القبلية أو المناطقية أو المالية مع البعض.

الذين يعرفون محمد بن سلمان يقولون: «إنه مثل الذى يقود قطاراً مسرعاً بكامل طاقته ويسعى -بشكل لا يعرف التنازل- للوصول إلى محطته النهائية المعروفة باسم (2030) مهما كانت الفاتورة ومهما كانت التضحيات».

فى الرياض الآن هناك رجلان فقط فى مركز الحكم لا ثالث لهما، هما الملك سلمان وولى عهده.

هذه الحالة الفريدة فى مركز الحكم ندر ما تكررت منذ أن تأسست الدولة السعودية الأولى عام 1744م، والتى عرفت بإمارة الدرعية، حتى الآن.

فى وقت ما، وفى عهود الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، كانت هناك دائماً تعددية فى الأوزان النسبية للتيارات المؤثرة فى العائلة والحكم.

كان فيصل يوازن سعود، وكان فهد يوازن فيصل، وكان عبدالله يوازن فهد، وكان سلطان ونايف يُحسب حسابهما عند عبدالله (مع الحفاظ على الألقاب) رحمهم الله جميعاً.

فى الرياض كانت هناك مراكز متعددة للقرار كلها تصب فى النهاية عند رأس الحكم وهو الملك.

رغم ذلك كان هناك الديوان الملكى، وديوان مجلس الوزراء، وكانت هناك رئاسة الأركان والدفاع والطيران وهناك الداخلية، وكانت هناك قوات الحرس الملكى، وكان هناك الحرس الوطنى.

الآن الحكم فى الرياض أصبح دائماً مُركّزاً فى يد مليك البلاد وولى عهده (33 سنة)، وهو سادس أبنائه من ناحية الترتيب، وهو أيضاً محط ثقته فى القدرة على تحمُّل «مشاق وتحديات لعبة السياسة والأمن فى زمن صعب، ومنطقة مأزومة، وخطة إصلاح شاملة تستلزم طاقة لا نهائية وصبراً لا يطيقه إنسان».

كل هذه المقدمة المطولة الغرض منها أن يعرف الجميع أن القرار فى الرياض، من الملك إلى ولى العهد، ومن ولى العهد إلى الجميع، من أجل التنفيذ.

مسار السلطات فى الرياض أصبح اليوم واضحاً شفافاً مُركزاً لا يقبل التأويل.

يحسن محمد بن سلمان الإنصات والاستماع والتعلم والاستشارة، وهو يقود أكثر من 16 مجلساً تنفيذياً واستشارياً، وبالأرقام هو أكثر مسئول سعودى استعان بكبريات الشركات العالمية والإقليمية والمحلية للاستشارة فى عمليات الإصلاح الشامل، وفى شئون التسويق السياسى، تلك كانت دائماً قناعاته منذ أن تولى أول منصب حكومى فى هيئة الخبراء بمجلس الوزراء فى أبريل 2007.

ويخطئ من يعتقد أن الرجل فردى القرار، رغم تركز سلطات أساسية فى يده، بل هو «مسكون» بالتأكد من «صحة قراره» وبالتأكد من أنه قد نضج على نار هادئة.

ما يزعج الرجل هو 3 أمور: البطء فى تنفيذ القرارات، أو التراخى فى الإنجاز، أو اختلاق أعذار لعدم الإنجاز.

لذلك تشعر دائماً بأنك حينما تتعامل مع الأمير محمد تتعامل مع رجل يسابق الزمن بشكل مستمر!

يؤمن محمد بن سلمان أن زمن السعودية المجاملة يجب أن ينتقل من المساندة من الخطوط الخلفية إلى صدر المواجهات فى العلن.

يؤمن محمد بن سلمان أن زمن شراء الخواطر السياسية بالمال السياسى أو تجنب المواجهات مع الأشرار فى الداخل أو المنفعة لتأجيل المتاعب قد ولى.

دائماً يقول لمن حوله: «فلنسمِّ الأشياء بأسمائها بلا مجاملات ولا أوهام ولندفع فاتورة الحقيقة مهما كان الثمن غالياً».

وبالطبع لن يقول لك محمد بن سلمان إنه ورث أموراً فى الداخل والخارج ليس مسئولاً عنها مثل: «سيطرة بعض الغلاة من رجل الدين، أو القبول باضطهاد دور المرأة فى المجتمع، أو القبول بتجاوزات بعض رجال العائلة».

وورث محمد بن سلمان غياباً سعودياً كاملاً عن اليمن بسبب الفراغ الناتج عن توقف دور مكتب شئون اليمن الذى كان يتولاه الأمير سلطان بن عبدالعزيز لأكثر من 25 عاماً.

هذا الفراغ ملأته إيران فى اليمن وتدفع المنطقة فاتورته من خلال عمليات التخريب الحوثية.

ورث محمد بن سلمان فراغاً فى سوريا بعدما تم الضغط لإفشال خطة الأمير بندر بن سلطان «رئيس المخابرات السعودية وقتها» لدعم المعارضة فى سوريا، وأدى ذلك إلى فراغ آخر تم ملؤه بواسطة: روسيا وإيران وتركيا، وميليشيات متطرفة سنية وشيعية.

وورث محمد بن سلمان قوانين إدارية متحجرة، وأنظمة مالية معوقة للاستثمار، وفقداناً كاملاً لقدرة الإدارة الحكومية على الإبداع والتفكير خارج الصندوق.

منذ اليوم الأول الذى التحق فيه الرجل بالوظيفة العامة وهو يعمل 18 ساعة يومياً يصل الليل بالنهار، يقطع المنطقة والعالم ذهاباً وإياباً من أجل النجاح، وتحقيق ثقة مليك البلاد فيه، وثقة الأب فى الابن، والشعب فى ولى العهد، وطبقات من الشباب والشابات الذين يشكلون أكثر من ثلثَى التركيبة السكانية السعودية فيه من أجل خلق «دولة عصرية متقدمة ذات مجتمع متفتح قادر على أن يتعامل فى عالم اليوم».

إذا كانت تلك هى صفات الرجل، يأتى السؤال الكبير والجوهرى: ماذا يمكن أن يكون رد فعل رجل بهذه الصفات تجاه ما يراه عدواناً إيرانياً بعد الاعتداء على 4 سفن فى الفجيرة وضرب هدفين داخل «أرامكو» السعودية؟

يخطئ تماماً من يعتقد أن التصعيد الإيرانى، سواء كان مباشراً أو عبر وكلاء، زاد أو نقص، سيجعل من محمد بن سلمان أكثر قبولاً بأى تسوية مع إيران، أو سوف يشترى راحة البال ويوقف الصراع الإيرانى بأى صفقة أو ترضية.

العكس تماماً هو الصحيح، فإذا كان هناك احتمال واحد فى المليون قبل الأسبوع الماضى أن تقبل السعودية والإمارات بأى جهود تهدئة مع إيران، فإن احتمالات أى تسوية تصل إلى حافة احتمالات «الصفر» الكاملة!

وحتى قبل هذه الأحداث يؤمن محمد بن سلمان عن قناعة شخصية كاملة منذ عام 2014 «أنه لا توجد أى نقاط التقاء مع النظام الإيرانى».

يدرك محمد بن سلمان أن منسوب الغضب الإيرانى ضد الرياض زاد فى الأسابيع الأخيرة بسبب الضغط النفسى والمادى المؤلم على النظام والشعب فى إيران عقب القرار الأمريكى المندرج فى تخفيض الإنتاج الإيرانى من النفط من 4 ملايين برميل إلى 2.5 مليون إلى مليون ومائتى ألف، وأخيراً إلى الضغط للوصول لدرجة تصفير الإنتاج.

الغضب الإيرانى من الرياض يعود إلى القرار السعودى بالمواجهة مع إيران مقابل دعمها للحوثيين فى اليمن بالقيام بتعويض نقص الإنتاج الإيرانى بزيادة الإنتاج لمليون وثلاثمائة ألف برميل يومياً، وهى الدولة الوحيدة القادرة على أن يتجاوز إنتاجها 12 مليون برميل يومياً.

«لا يمكن الوثوق فى أى حوار أو تفاهم مع إيران»، هكذا يكرر الرجل دائماً فى مجالسه أو تصريحاته العلنية.

تعلّم محمد بن سلمان من تجربة والده حينما كان أميراً للرياض وعاصر الزيارة المطولة لهاشمى رافسنجانى للمملكة وتلك الوعود التى قطعها ببدايات عهد جديد بين طهران والرياض، أنها كانت «تمثيلية وأنه لا يمكن الوثوق بأى وعود أو عهود من المسئولين فى طهران».

ويقول محمد بن سلمان لزواره إن «عهد الثقة السعودية فى إيران قد ولى، لأن المشكلة عندهم تاريخية معقدة ذات أبعاد ثأرية ومتطرفة لذلك لن نُلدغ من الجحر الإيرانى مرتين».

ويتساءل محمد بن سلمان: «كيف أتفاهم مع رجل أو نظام يؤمن بأن هدفه هو نشر مذهبه بالقوة فى المنطقة والعالم حتى يظهر الإمام الذى ينتظرونه، ماذا نفعل مع مثل هذه العقلية؟».

ويؤكد دائماً محمد بن سلمان أنه لا يواجه إيران من منظور طائفى لأنه يؤمن بأن الشيعة فى السعودية هم مكون وطنى من مكونات الدولة.

الذين يعرفون محمد بن سلمان يقولون: «الرجل لطيف المعشر، دائم الابتسامة، ولكن تختفى هذه الابتسامة العريضة ويظهر الغضب إذا اقتربت من سلامة الحكم، أو سيادة الوطن، أو أسرته الصغيرة».

لذلك كله يخطئ من لا يفهم قانون الفعل ورد الفعل عند ولى العهد السعودى الذى لا ينسى أبداً رد الفعل على الإساءة طال الزمن أو قصر مهما كانت الفاتورة!

عماد الدين أديب

نقلاً عن صحيفة (الوطن) المصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *