أسرار وشهادات تحيي ذاكرة المدينة العريقة

محمد الهمزاني.. إعلامي حائلي يسبر أغوار مدينة الرياض القديمة عبر سنابشات ويوتيوب

محمد الهمزاني تاريخ الرياض
حبيب عبدالله

تحت عدة أوسمة (هاشتاقات) مثل (ذاكرة الرياض، ذكريات الرياض، الرياض القديمة)، وعبر قناة يوتيوب باسم “العاصمة”، وبأسلوب بسيط ومباشر، يعمل الإعلامي القادم من مدينة حائل الشمالية محمد الهمزاني على إعداد وإنتاج وتوثيق المحتوى المرئي لمعالم وبيوت وشخصيات مدينة الرياض قديمًا.

شوارع كثيرة تجولنا بها، وأحياء قديمة سمعنا عنها، وقصور مهجورة مررنا بجانبها ولا نعرف شيئا عنها، ومعالم قاربت على الاندثار بلا لوحة ولا معلومة، يحاول الهمزاني تعريف الجمهور بها وتسليط الضوء عليها، وقبل ذلك التنقيب عن المعلومات الصحيحة عنها وتوثيقها.

ربما هي فكرة مرئية بسيطة ولكنها مبادرة رائدة من أجل توثيق تاريخ الرياض، انطلقت من فضوله وشغفه الواسع وسؤاله المتكرر عن معالم الرياض القديمة، أحيائها وقصورها، شوارعها وعماراتها، رجالها وعاداتها، لطالما سأل أبناء جيله عن أسماء أو أسرار مثل هذه المدينة العريقة وتاريخها المنسي، إلا أنه لم يجد من بينهم من يروي عطشه المعرفي بقصة أو معلومة صحيحة، أبحر في عالم الإنترنت لعله يجد شيئا فلم يجد، وإن وجد فهي معلومات وقصص لم تثبت مصداقيتها ولم يتأكد من تاريخها وغالبا ما تكون بلا مصادر وبلا شهادات حية، الأمر الذي دفعه إلى النزول بنفسه إلى الشارع واستنشاق غبار الأحياء والأطلال القديمة، بحثًا عن بداياتها وناسها وتسجيلا لتاريخها وإعادتها إلى الذاكرة الحية، لا يحمل معه سوى أمانة التاريخ وعدسة جواله، وأسئلة متفرقة.

ما زال “شارع المتنبي” في حي الملز وسط الرياض -النموذجي آنذاك- عالقًا بذاكرة الهمزاني منذ صغره عندما وصل إلى مدينة الرياض مبكرًا، ولذلك آثر أن يبدأ به كونه ما زال متصلا بذاكرته، ورغبة منه في تسليط الضوء على هذا الشارع كتجربة أولى لمغامرته الإعلامية لتوثيق التاريخ، ولم يمض الوقت طويلًا حتى وجد تفاعل عدد كبير من الناس ومن المتابعين له في تويتر حول تسجيله لتاريخ هذا الشارع.
ومن بعد شارع المتنبي، انطلق الهمزاني لإعداد حلقة أخرى، ووجد أيضًا التفاعل الكبير، ليبدأ باستقبال المتابعين له في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يرغبون بمعرفة هذا التاريخ المثير، ويبدأ بالتعرف إلى سكان مدينة الرياض القديمة، منهم من قدم له القصص الماتعة، والبعض الآخر زوده بالمعلومات الكثيرة، حيث انطلق رسميًا بإعداد وتسجيل سلسلة حلقات متنوعة عن الرياض. زار البيوت القديمة والتقى بأصحابها الأصليين، وتحدث عن تاريخها وتصاميمها، تجول في الشوارع القديمة وكشف عن أسماء أصحابها وعرف بهم، معه تعرفنا إلى الأماكن والشوارع والمحلات والمحطات في الرياض.

محمد الهمزاني تاريخ الرياض

قصص وحكايات منسية يحييها الهمزاني عن عالم الرياض القديم

وجدت هذه الحلقات نجاحًا وخلقت أصداء كبيرة عند السكان القدامى لمدينة الرياض، وكانت أبرز ردود الأفعال لديهم، أن هذه الحلقات أيقضت ذاكرتهم، وأعادتهم إلى الماضي، بل وصل الأمر عند بعضهم أنه تفاجأ بتاريخ مدينته الذي لم يعرفه.

قدم الهمزاني حلقات متنوعة تبدأ من نبش تاريخ الأحياء والشوارع والقصور القديمة، وبدايات الأحياء الجديدة، وصولا إلى إبراز قصص مثل الأعياد والقصائد وكفاح رجال الأعمال قديمًا وحتى مصدر الخبز اليومي للسكان وأسواقهم الشعبية. يوثق الهمزاني التغيرات التي طرأت على مدينة مثل الرياض، وهي تغيرات عمرانية واجتماعية مهمة في هذا المجال.

أصبحت هذه الفكرة التوثيقية جزءًا من ذاكرة مدينة الرياض في يوتيوب وفي تويتر، توثق الماضي العريق بالنص والصورة.

يقول الهمزاني في حديثه مع “عناوين” بأنه لم يرغب قط بنقل الذكريات واستجداء الحنين للماضي، إنما ومن كونه مهتمًا بالتراث والتاريخ يحرص على تقديم المعلومات الحقيقية عن كل حي أو شارع وقصر أو معلم يزوره ويصوره. حيث قام بمرافقة وتسجيل الحلقات بوجود شهادات حية من رجال عاصروا تلك الحقبة لبدايات الرياض، أو عايشوا أحداثها، أو ممن يملك المعلومات المثبتة ليرويها للناس. حيث يستضيف في كل حلقة باحثًا أو مهتمًا للحديث عن جزء من المدينة.

وحول أحد أسباب نجاحه في هذه السلسة التاريخية عن مدينة الرياض، يذكر الهمزاني أنه وجد القبول والاستقبال الجيد من غالبية الأهالي، ربما بسبب كونه ليس من سكان الرياض، الأمر الذي دفعهم لوضع الثقة فيه، لأنه من مدينة محايدة، ولن يميل لطرف ضد الآخر في استحضار المعلومات وتسجيل القصص.

مثل هذا العمل الإعلامي التاريخي، ليس أمرا سهلًا وليس مجرد تصوير في شارع قديم أو أمام قصر مهجور، إنما يرافقه صعوبات كبيرة في جمع المعلومات، وإعداد الحلقات التي تستنزف الجهد والوقت، علمًا أن كل ما يقوم به الهمزاني هو بجانب قيامه بعمله اليومي الرئيسي، وبجانب حياته الاجتماعية وشؤون أسرته وعائلته، إضافة إلى أن غياب الدعم لمثل لعمل يمثل تحديًا آخرًا، فبالرغم من إعجاب سكان الرياض بالمحتوى الذي يقدمه الهمزاني، إلا أن أحد منهم لم يقدم الدعم والرعاية إطلاقًا، سواء كان مؤسسة تراثية أو شركة ورجل أعمال.

ويأمل الهمزاني بأن يحظى هذا العمل بالدعم والمساندة أو التبني من قبل الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الإعلام أو الثقافة أو دارة الملك عبدالعزيز والمكتبات الوطنية. حتى لا يكون مصيره النسيان والفقدان، كما كان مصير هذا التاريخ المهم الذي يحاول كشفه وتوثيقه.

ويمكن زيارة القناة ومشاهدة الفيديوهات المتنوعة عبر الضعط هنا. لا سيما ونحن نعيش هذه الأيام التزامات الحظر المنزلي، ومنع التجول، وتوقف العمل. فرصة للمشاهدة واكتشاف الحياة القديمة لمدينة عظيمة مثل الرياض.

محمد الهمزاني تاريخ الرياض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *