نفاق الإعلام الغربي

أعترف أنني كنت أرى الإعلام الغربي وخصوصاً المنابر الكبيرة العريقة هناك ذات مهنية وصدقية عالية في التحاليل ونقل الأخبار. اليوم وبعد تنافسهم المحموم للنيل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومحاولة ربطه بالحادث المؤسف الذي وقع في القنصلية السعودية في اسطنبول من دون وجود أي دليل، يتضح لي وللقاصي والداني أن هذا الإعلام منافق بامتياز ويمكن شراؤه بالمال الحرام لخدمة أي هدف. كانت تقاريرهم حول الشأن السعودي وتحديداً الحياة الاجتماعية تحمل في ظني الكثير من الحياد من حيث أننا في المملكة كنا نبالغ بالفعل في التشدد ونحرم الكثير من مناشط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إعلام الغرب من بين عناوين أخرى، تحدث كثيراً عن الفساد في المملكة وتناول تغطيته ببرامج خاصة. غير أن المذهل بل والصادم حقيقة هو تعامل هذا الإعلام مع الإصلاح الذي بدأ في المملكة قبل ما يقرب من عامين بمحاربة الفساد ذاته. نتذكر جميعنا عندما بادرت النيابة العامة السعودية بإيقاف من يشتبه بضلوعهم بقضايا فساد في المملكة وأخذ التحقيق مجراه. كان لا بد من التعامل مع هذا الحدث الكبير بسرعة وفي وقت قصير جداً ولهذا اختارت الحكومة فندق «ريتز كارلتون» كمنطقة آمنة تتسع لجميع الموقوفين. ما الذي تمت تغطيته في الغرب وكيف تناولوا هذه القضية؟ تناسوا تماماً موضوع محاربة الفساد والتحقيقات وأطلقوا مسميات عدة على هذه العملية، منها: أن الحكومة قامت بذلك كمحاولة للاستفراد بالسلطة ونحو ذلك، أشاروا في كذب صريح إلى وقوع حالات من التعذيب الجسدي داخل الفندق. الخلاصة أنه لم يروق لهم في واقع الأمر أن تبدأ الحكومة السعودية فعلاً بمواجهة الفساد وبهذه القوة، على رغم التشدق السابق وكأنهم أصيبوا بصدمة.

واستمراراً في مواجهة التطرف وفي حالة مشابهة تم إيقاف عدد من الأفراد بتهم مختلفة وهم رهن التحقيق والقضاء هذه الأيام. يواجه هؤلاء تهم بعضها يصل إلى حد الخيانة العظمى والعمل لصالح دول خارجية مقابل المال. غالبهم بالطبع يواجه تهم التطرف والتحريض على العنف والانتماء لجماعات تم تصنيفها كجماعات إرهابية. رد فعل وسائل الإعلام الغربية اقتصر على الحديث عن قمع الحريات وأن الحكومة السعودية بهذه الحملة تريد فقط إسكات أي صوت يعارض النظام بصرف النظر عن التوجهات والأهداف. لم يبارك منهم أحد مثل هذه الإجراءات التي لطالما كان الغرب يطالب بها، إضافة إلى كونها ضرورية لحفظ الأرواح والممتلكات داخل المملكة بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. كأن لسان الحال لديهم يقول لا تفعلوا ذلك واستمروا في الإبقاء على التحريض والخيانة وما قد ينتج عنها من فقدان الأنفس والممتلكات.

فتحت المملكة العديد من النوافذ المغلقة سابقاً وسمحت للمرأة بالمشاركة في القوى البشرية وصناعة القرارات والعمل وقيادة السيارة ووضعت القوانين المدنية الرادعة. تفاجأ الغرب بذلك وبدلاً من تأييد هذا الانتقال المذهل في هذه الفترة الزمنية القصيرة كما كانوا يطالبون به بدأ يتحدث عن موضوع الولاية. أستطيع الجزم أنه حتى لو تم تعديل نظام الولاية فلن يقنعهم شيء. واجهت السعودية وحلفائها المد الإيراني في اليمن بالقوة بعد أن بلغ تمرد الحوثي مداه وحاول إسقاط الحكومة الشرعية. هذا الانقلاب على الشرعية يعتبر استعداءً صريح ضد دول الجوار وتصرف المملكة وحلفائها بعد نداء الحكومة اليمنية لا يعدو كونه دفاعاً عن النفس وحقاً مشروعاً لأي دولة. الإعلام الغربي تجاهل كل الأسباب وتحدث عن الكوارث الإنسانية في اليمن بعد بدء العمليات العسكرية، متجاهلاً من وراء هذه الكوارث في الأصل، خلافاً لكوارث أخرى تقف خلفها إيران وميليشياتها في كل مكان.

هذه مجرد أمثلة أوردتها لتبيان هذا النفاق الذي نتحدث عنه. المملكة بالطبع أقدمت وتقدم على الكثير من هذه المبادرات الجريئة لأن ذلك هو التوجه الصحيح وليس إرضاء لأي طرف خارجي.

الهدف إذاً أصبح واضحا جداً خصوصاً خلال الشهرين الماضيين. الإعلام الغربي أصبح يتلقف أي خبر ليؤسس عليه قصة يحتفل بها مبتعداً بذلك عن المهنية التي انخدع العالم بها. باختصار هذا الإعلام لا يريد للمملكة أن تتقدم وتتطور ولا يريد قيادة قوية صارمة وحازمة تتجه للاعتماد على النفس. الحقيقة أن هذا التوجه لدى الأعلام الغربي ربما بدأ مع إعلان ولي العهد السعودي عن رؤيته الواعدة ٢٠٣٠ وكيف يعمل لإنجاحها. كأنهم هناك يقولون هل نصمت والسعودية تتحدث عن الإقلال من الاعتماد على النفط الذي تحول إلى ما يشبه الإدمان على مادة مخدرة؟ هل نصمت وهذا الرجل يتحدث عن تطوير صناعات ثقيلة يخطط لها في المملكة من بينها صناعات عسكرية ومعدات وأسلحة وتكنولوجيا؟ حتى على المستوى السياسي يتساءلون بحيرة وذهول كيف تمكنت السعودية باتخاذ تلك الإجراءات مع دول كبيرة مثل كندا وألمانيا بالشكل والمضمون الذي تم؟ لا يمكن قبول المملكة بهذا الشكل الذي لم نعتاد عليه.

الجميل في كل هذا الشيء هو أن السعوديين قد أدركوا مسبقاً أهداف هذه الحملات، بحيث تحول كل هذا الهجوم الغربي الغبي وغير المسبوق إلى دافع قوي للتمسك بالقيادة ووحدة الوطن. فلا منابرهم ولا أعضاء برلمانهم ولا الأبواق المأجورة في منطقتنا أثرت قيد شعرة على تمسك هذا الشعب بوحدة وطنه وولائه وحبه للملك سلمان وولي عهده المستهدف من كل تلك الأطراف.

برأيي أن الإعلام الغربي فقد الكثير من صدقيته وقد بدأ ذلك واضحاً منذ أكثر من عامين تزامناً مع فوز الرئيس ترامب في البيت الأبيض الأميركي. ما ذكرته عن سلوكهم ضد السعودية قليل جداً مقارنة بما تنتجه ماكيناتهم الإعلامية الهائلة داخل الولايات المتحدة في حرب شعواء ضد الرئيس الأميركي وقد يكون موقفهم ضد المملكة مرتبطاً بذلك. تشير المصادر هناك وكنتيجة لهذا الحد من تزوير الأخبار إلى تدني نسبة صدقية هذه الوسائل في الداخل الأمريكي إلى ١٧ في المئة فقط. بمعنى أن الأقلية القليلة من الأميركان يثقون بهذه الوسائل.

يبدو أن ما أسس له «وولتر كرونكايت» و«ديفد برنكلي» و«هاري ريزنر» مطلع السبعينات وصولاً لـ«دان راذر» و«توم بروكو» وغيرهم من عمالقة نشرات الأخبار في زمن تميز هذا الإعلام قد ذهب أدراج الرياح.

فهد الدغيثر

نقلاً عن (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *