قطار السلام في المنطقة

السلام غاية إنسانية رفيعة لا يمكن تحقيقها دون تنازلات ومقاربات تستهدف تفكيك النزعة العدائية وتحويلها إلى اتجاه مرن نحو الآخر، فلم توجد شعوب ظلت على مدار الزمن والتاريخ تقاتل بعضها ولا تصل في خاتمة المطاف إلى أمن وسلام وتعايش وتقارب، إذ إن ذلك هو منطق الواقع والحياة، ولتحقيق ذلك فلا بد أن يقدم الفرقاء تنازلات وتضحيات جديرة بأن تنتهي إلى توافق يقود إلى الحالة السلمية التي تتطلع إليها جميع الشعوب.

التاريخ يحتشد بكم هائل من النماذج التي تقاتلت فيها الشعوب وانتهت إلى سلام دائم، بعد أن فقدت ملايين الأرواح، ففرنسا وبريطانيا اللتان نراهما اليوم في أفضل وئام واتحاد وأمن وسلام وتعايش خاضتا ما يعرف بحرب المائة عام، وهي تزيد على ذلك ستة عشر عاما، أي 116 عاما في حالة حرب، امتدت من القرن الرابع عشر إلى الخامس عشر، ثم قاتلتا سويا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانتصرتا، إذن لا عداء دائم وإنما مصالح باقية، وذلك يقودنا إلى الحالة العربية الإسرائيلية التي ظلت في صراع استمر منذ النكبة في العام 1948م وحتى يومنا هذا، وخلال ذلك حدث أن وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، ثم الفلسطينيون معهم في أوسلو، والأردنيون في وادي عربة، وذلك في الواقع يفتح كثيرا من الأبواب المغلقة للتفكير بصورة عملية وجادة في الانتقال إلى المحطة السلمية طالما أن دول المواجهة في حالة سلام مع إسرائيل، بما ينهي الصراع بخطوة واحدة جريئة وشجاعة من بقية العرب، لأن السلام يتطلب ذلك، تماما كما فعل السادات في العام 1978م، والذي أثبت الزمن أنه كان الأكثر صحة في مواقفه من السلام الضائع لشعبه، والعرب جميعا.

لا يمكن أن يظل الحال العربي مشنوقا على أمل السلام إلى الأبد، وطالما الفلسطينيون وقّعوا في أوسلو فذلك هو المدخل الحقيقي لسلام حاسم مع إسرائيل، وفي ظل المبادرة العربية التي قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز «يرحمه الله» في قمة بيروت، يمكن المضي بقليل من التنازلات الواقعية باتجاه السلام، وإنهاء التعقيد الحالي في الجمود الذي يتبعه تعقيدات تشمل جميعا العرب دون إرادة كثيرين منهم يرغبون في سلام وإنهاء الصراع.

كما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إن المملكة لا تقرر بالإنابة عن الفلسطينيين، ولكنها تدعم ما يتوافقون عليه «ونؤيد ما يؤيدونه»، غير أن إضاعة الفرص هي، في الواقع، التي أوصلتنا إلى الالتباس الحالي في السلام، لم نضع فرصة لإضاعة الفرص، لذلك بقينا في المربع الأول، فيما الزمن يمضي ومعه كثير من المصالح السياسية والاقتصادية، حتى أن إسرائيل تمضي في نموها وازدهارها السياسي والاقتصادي والعلمي والعسكري بما يفوق العرب جميعا، فمن الذي يحتاج السلام أكثر؟ نحتاج كعرب السلام بوصفه السبيل إلى التطور وإيقاف الهدر في حقوقنا في أن نتخلص من رهاب الحرب، وعلك جلود البلاغة فيما الشعوب تحترق وتعيش وهم العداء بلا طائل.

السلام قضيتنا الأساسية وليس الحرب، لذلك فإن المصلحة العامة تقتضي مقاربات وتفاهمات مع إسرائيل، ولا يمكن أن نظل حبيسي جرعات إنشائية من أفكار العداوة والصراع غير المجدي، ولأننا نحترم حقوقنا التاريخية والمستقبلية، وكل التضحيات التي تمت في سبيل القضية، ينبغي أن نكون أكثر براغماتية في رؤية السلام، والحد من المزيد من الخسائر التي تنتهي في بئر النسيان، والكتابات البلاغية والنظم المتكلف، سردا وشعرا، فذلك ثبت أنه لن يعيد حقا، وإنما يتكسّب منه تجار الصراع، وهم فئة طفيلية قليلة على حساب ملايين يدفعون ثمنا غاليا يذهب مع ريح الزمن ولا يقبضون إلا الهواء.

سكينة المشيخص

(اليوم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *