في ليلة المونديال

ست من متابعي كرة القدم، ولست من المشجعين لأي ناد عالمي أو محلي، ولست من المتحمسين كذلك لأي منتخب من المنتخبات، وهو فتور يعزز جهلي بالأندية واللاعبين والمدربين أو يعززه هذا الجهل، وإذا كان ذلك ليس مما يتباهى به المرء فإنما أكتبه لأسجل حجم المفارقة حين أؤكد أنني سوف أحرص الليلة على متابعة المباراة النهائية بين فرنسا وكرواتيا، متمنيا وبكل حماس فوز المنتخب الكرواتي، وهو الحماس الذي لم يضعفه ما يرجحه المعلقون من فوز فرنسا بالكأس وما يستندون إليه من مبررات.

وإذا كان المعلقون والمحللون بما لهم من خبرة ومعرفة يرجحون فوز فرنسا، استنادا لتاريخها الذي مكنها من قبل من الظفر بكأس العالم، فإني للسبب نفسه أتمنى فوز كرواتيا التي لا تملك مثل هذا التاريخ في كرة القدم، بل لا تملك شيئا من إمكانات فرنسا، فهي الأضعف اقتصاديا وثقافيا وعسكريا وسياسيا، كما أنها هي الأقل سكانا والأصغر مساحة والأحدث نشأة.

فوز كرواتيا، وأنا أتمنى لها الفوز، يؤكد أن لكرة القدم منطقها الذي لا يعترف بغير قوانينها معيارا للفوز والخسارة، بل هو المنطق الذي يحرص على أن يمحو تاريخه ليكتب تاريخا جديدا، وإذا كانت دورة موسكو قد برهنت على شيء فإنما برهنت على أن لا كبير في هذه اللعبة ولا تاريخ يشكل ضمانة لأحد أو تعزيزا لفوز هذا الفريق أو ذاك، دورة موسكو أسقطت كل التوقعات حين أخرجت ألمانيا من التصفيات الأولى ثم أتبعتها بإخراج الأرجنتين والبرازيل والسويد وختمتها بكسر الجبروت الإنجليزي على يد الكروات.

لذلك كله أتمنى فوز كرواتيا، وليس ثمة من سبب وراء تلك الأمنية إلا أن تؤكد كرة القدم أن ليس فيها كبير تؤهله قوته أو مكانته للفوز بها، وأن تاريخها الذي تكتبه على أرض الملعب تطويه حين يطوي الملعب بساطه الأخضر.. وإذا ما انبسط البساط الأخضر مرة أخرى كتبت كرة القدم على عشبه تاريخا جديدا.

سعيد السريحي

(عكاظ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *