المونديال والسياسة

تنقل المصادر اللغوية ان كلمة مونديال فرنسية، وتعني العالم، وتشير الى المسابقة العالمية للعبة الاكثر شعبية «كرة القدم»، وتم اختزال كثير من العبارات في كلمة تعطي في كل اللغات نفس الدلالة.

ولان مونديال روسيا ٢٠١٨ لكرة القدم الذي يقام في الفترة من ١٤ يونيو الى ١٥ يوليو يملأ الدنيا ويشغل الناس في هذه الفترة قررت أن أقترب من الرياضة دون أن أتخلى عن السياسة.

الملاحظة الأولية التى ارى استعراضها قبل البدء في الحديث عن مقاربات السياسة بالرياضة هي، أن الرياضة بمعناها الدولي واهتمام شعوب ومجتمعات العالم الثالث بها اصبح في العقود الاخيرة علامة بارزة بين الناس طوال ايام السنة تقريباً. وفي اوقات المسابقات الدولية ومنها البطولة الكبرى، يصبح الاهتمام مضاعفا.

هذه الحالة تمثل وضعا فريدا بين مجتمعات العالم الثالث من الولاء والانتماء الحسي الذي ربما لم يجد قناة او مسارا وطنيا يتمظهر من خلاله في الدائرة الوطنية، فذهب بدون موانع الى الدول المتقدمة.

السؤال الذي يمكن أن يثار هنا هو: كيف استولت هذه القوى الدولية على مشاعر العالم الثالث؟، وهل هذه التصرفات مجانية، ام انها جاءت نتيجة لمشروع ما؟

التساؤلات، كبيرة، ويكفي التفاعل معها بما يحتاج مقالا في رحاب ايام المونديال، لنقول: ان هذا الكسب الحسي لعواطف الناس جاء في اغلب التقديرات لأن المنتج الدولي حتى في صورته الرياضية اثبت جودة، ورصانة، وانه متأت بناءً على تخطيط وادارة، وليس بالصدفة، او بالحظ.

سؤال اخر يمكن أن يستوقفنا، هو: هل للدبلوماسية الشعبية علاقة بالأمر؟

لن ازعم أن هناك علاقة مباشرة بين الولاء المجتمعي للعالم ثالثي الرياضة الدولية، وبين تخطيط تلك القوى لتحصيل مزيد من النفوذ، لأنه ليس لدينا منهج علمي يثبت، او ينفي ذلك، لكن الملاحظة الأولية تشير، وبحسب التعريف العام، للدبلوماسية الشعبية والتي من أحد معانيها التأثير المباشر للدول في مجتمعات دول أخرى دون استخدام الدول الباحثة عن التأثير للأدوات الرسمية التقليدية. من هنا ممكن أن نكتشف جانبا من العلاقة. الاهم في رأينا هو أن الدول الباحثة عن التأثير تستخدم الادوات الاكثر مرونة، ونعومة، ومنها الرياضة، والآداب، والفنون، والاعلام، ولكن لمنتجات منافسة وعالية الجودة. يؤكد ذلك انه عندما تخرج فرق العالم الثالث من المونديال في أدواره التمهيدية يبدأ منح الحماس وبصورة سخية للفرق الاقوى بمنتجاتها القادرة على المنافسة.

هذه النتائج تنقلنا إلى سؤال على درجة أعلى من التحليل، وهو:

هل الرياضة الدولية حالة من حالات الحرب بين الدول؟ الإجابة المباشرة (نعم) فالمساحة الخضراء مكان اخر للصراع، وكسب المشاعر، والعقول، والولاءات الحسية للناس، والسياسة ليست بريئة، لدرجة انها تستغل الرياضة في المناسبات الدولية، التي تستولي على قدر كبير من اهتمام العالم، لتمرر افعالا سياسية، أو عسكرية، لان الاهتمام العام يكون في أدنى مستوياته بالحدث السياسي، ولان الرياضة تحتل المساحة الأكبر في فضاء الخبر الدولي. وعليه تكون ردود الافعال في مستويات متدنية.

مكونات المونديال، دول العالم المتقدم والدول الاقل تقدما، مع الدول النامية والمكون العربي بين هذه الفئة، وفي هذا المونديال اثبت العرب أن لهم طريقتهم الخاصة في التعاطي مع كل شيء، فعند الخسارة يتم النزوع الى فكرة المؤامرة ومساراتها، إما فيما بينهم كمكون يُعتقد انه متجانس وهو في الواقع ليس كذلك تماماً، او فيما بينهم وبين الدول القوية والمتقدمة.

يقال في العالم النامي: يتألم البعض لخسارة فرقهم الدولية، أكثر من تألمهم لخسارة فرقهم الوطنية! وأحد التفسيرات لذلك أن فرقهم الوطنية ليست خيول رهان حقيقية في سباق المونديال. الامر الاخر أن الانتماء العاطفي، واللاشعوري المبني على الجودة في الاداء، والادارة العلمية، لهذه الفرق ليس له منافس لدى فرقهم المحلية.

سالم اليامي

(اليوم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *