الزوجة أرخص من العاملة

هذا أمر طبيعي، فالمرء يستطيع الجمع بين أربع زوجات، لكنه بصعوبة يحصل على عاملة منزلية واحدة. العائلات تتسابق في خفض المهور وتيسير الزواج، بينما مكاتب الاستقدام تتنافس في رفع الكلفة. للمقارنة فإن المهر غالباً يعادل مصاريف رحلة درجة أولى من الرياض إلى دبي، بينما مصاريف استقدام عاملة تعادل رحلة درجة أولى من الرياض إلى نيويورك. هذا نتاج الفروق بين الإقليمية والعالمية. حين يتزوج الرجل يكون هو صاحب الأمر في تحديد موعد الزفاف، في حين أن موعد وصول العاملة يقتضي ترقباً وانتظاراً قد يطول أشهراً غير معلومة من دون تذمر، سوى تبادل الشكوى والمرارة مع زملائه الآخرين.

يستطيع المرء تطليق زوجته برسالة جوال وهو في استراحة مع زملائه ومن دون أية تبعات، بينما ترحيل عاملة يتطلب إجراءات ووثائق وأيام عمل متتابعة. الرجل تنتظره الزوجة حتى يقدم عليها، في الوقت الذي تحتشد فيه الأسرة في المطار ساعات طوالاً انتظاراً لإطلالة العاملة واحتفاءً بوصولها. من حق الرجل أن يغضب على زوجته، ويقذفها بكل ما يخرجه لسانه من ألفاظ، وأن يطمس نور عينيها ببادية الشوربة إن لم يعجبه الطعم أو درجة الملح فيه، لكنه يحسب ألف حساب قبل أن يتطاول على عاملة منزله، فهناك سفارات وتحقيقات ووسائل إعلام تترصد حركاته معها. من الممكن أن يهمل الرجل مصروف بيته من دون مساءلة، إلا أنه لا يجرؤ على تأخير راتب العاملة يوماً واحداً.

الخاطب ينظر إلى زوجته ويتعرف إليها، ويرسل أمه وأخواته للتحقق من أوضاعها، وقد يطيل الخطبة إلى أن يطمئن، أما العاملة فتأتيه عشوائياً مثل احتلال عسكري، فهو لا يعرف شكلها، ولا يمكنه التحقق من مهاراتها. إن ذهبت الزوجة إلى أهلها غاضبة كانت «ناشزاً» حق له أن يسحبها من شعرها إلى بيت الطاعة، أما هرب العاملة فيبث فيه الرعب، ليسرع إلى كل دائرة ويخلي مسؤوليته وكل أمله بألا يفقد تأشيرته بهربها.

عبر سنوات تمكنت مكاتب الاستقدام نتيجة سياسة «العمل» في السيطرة على موضوع العمالة، ونجحت في تحقيق المستحيلات الثلاثة: رفع كلفة الاستقدام، وزيادة الرواتب أكثر من الضعف مراراً، وإطالة فترة الوصول حتى قاربت أحياناً مدة الحمل، على رغم أن العاملة لا تبقى سوى فترة الرضاعة فقط. كانت مكاتب الاستقدام في ما يبدو تعيد استرجاع مؤسسات الاحتكار وبعض أشكال الرق، حتى لا يكون لصاحب الحاجة مفر من الاستغناء عنها، وضرورة الارتباط الحتمي بها، فكل السبل سواها مغلقة، وجميع الأبواب محرمة غير بابها.

كانت العاملة سداً لحاجة أو مظهر ترف واستعراض، فأصبحت عذاباً للمحتاج والغني، وزادت الأعباء على الطرفين، فلا خيار إلا رضا المندوب السامي (مكتب الاستقدام).

وزارة العمل هي أساس المشكلة منذ أن قرر غازي القصيبي أن يجعل من العاملة المنزلية مثل الزواج الكاثوليكي، ويبدو أنها تحاول التبرؤ من ذنوبها المتراكمة، فهل تستعيد الزوجة مكانها أم تنهار قيمتها، ليصبح ثمن أربع زوجات يساوي عاملة واحدة؟

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

رد واحد على “الزوجة أرخص من العاملة”

  1. مقال رائع هو الحقيقة بعينها في قالب مميز لم يغفل شيء فهل نسمع له صدى وردود وقرارات إيجابية من وزارة العمل ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *