إعلاميون للبيع أو الإيجار

هناك إعلاميون في الدول العربية مثلهم مثل أية سلعة رخيصة في السوق. وهم معروضون للبيع أو الإيجار لمن يدفع أكثر حتى لو كان من يشتري الشيطان نفسه وليس إيـران. مثلا كان ومازال هناك الكثير من الأصوات المؤجرة التي تفرغت للدفاع عن براءة الإيرانيين من دم العرب وتخريب بلدانهم. وقد ارتفعت وتيرة هذه الأصوات أكثر بعد أن قامت عاصفة الحزم لردع الفئة الباغية في اليمن على باقي الأطراف بمد وفعل إيراني واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.

المشكلة أن هؤلاء، نظرا لطول تقلبهم في سوق النخاسة الإعلامية، لم يعد بمقدورهم تصديق أن الآخرين الذين ينافحون ضدهم مخلصون وشرفاء ويقفون وقفة حق مع أوطانهم وأمتهم. يصعب أن يصدق الفاجر وجود تقي يخاف الله ويراعي ضميره وأمانته، لأن الفاجر، بقدر فجره وإسرافه، لا يسعه سوى أن يرى كل الناس على شاكلته وملته.

عبدالباري عطوان يمكن أن يكون مادة دسمة لهذا الفجر الإعلامي، بل يمكن أن يكون مادة دسمة تدرس لطلبة أقسام الإعلام في العالم العربي على أساس تعليمهم أو إحاطتهم بكيفية أن يكون الإعلامي (سلعة) تتقاذفها الأيدي في حراج الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية.

هذه البضاعة المسماة (عطوان) لم يقر لها قرار، فضلا عن أن يستقر لها مبدأ، فهو ينتقل بسرعة ودون تردد إلى أي بلاط يدفع أكثر، سواء أكان هذا البلاط في عراق صدام حسين أو خيمة القذافي أو قصر الأسد، أو حتى في دهاليز الضاحية الجنوبية في بيروت.. عطوان إذن حمال أوجه إعلامية متعددة فاسدة. وآخر هذه الوجوه هو الوجه الإيراني الذي رفع قيمة السلعة العطوانية فصارت تسبح باسم الملالي وتستشهد وتحفل بعظمتهم الجديدة على المنطقة.

في أحد الأيام، قبل قيام عاصفة الحزم، قال عطوان لقناة فضائية: إن إيران قوة إقليمية عظمى موجودة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وبعد قيام العاصفة قال لفضائية أخرى: لماذا ينظر لإيران الآن من العرب نظرة العدو ؟! ماذا فعلت ؟! ولماذا لا نقدم لها مبادرة سلام كما فعلنا مع إسرائيل؟!.

وبغض النظر عن خلط الأوراق في سؤاله الأخير مما يتطلب نقاشا أطول، فإن ما يعنينا هنا هو أنه انتقل بكامل عدته وهدومه إلى البلاط الإيراني. وضرب، كعادته، مثلا آخر على وجود ورسوخ (الإعلامي المؤجر) الذي لا يترك مكانه على رصيف العهـر بدون ثمن. لقد قبض الثمن وهو الآن يدافع عن وجود إيـران وينفخ، متخبطا، في صورتها، إذ كيف يتساءل مستنكرا عن نظرة العرب لها كعدو ثم يقترح أن نقدم لها مبادرة سلام. هو يعترف ولا يعترف بأنها عدو لأنه من جانب يستعجل رضاها، مقابل ما قبضه، ويريد أن يحفظ ماء وجهـه أمام الناس والحقيقة.

لا يعلم أن ماء وجهـه جف حتى استحال إلى وجه كئيب ومكشوف ومرفوض من عامة العرب الشرفاء الذين طالما تمثلوا بذلك القول الخالد: «تموت الحرة ولا تأكل بثدييها»..

محمد العصيمي

نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *