كيف يتعلم العرب الجغرافيا؟

الجغرافيا علم لا يحبه أناس كثيرون؛ لأنه مليء بالتفاصيل والأسماء التي لا تنتهي؛ لذلك بالكاد يحفظ هؤلاء أسماء المدن وبعض القرى في بلدانهم، بالإضافة إلى بعض المواقع الشهيرة في العالم كي يعتبروا أنفسهم علماء جغرافيا، ولكن العرب اليوم توفرت لهم فرصة تاريخية جعلتهم يحفظون خرائط البلدان العربية قرية قرية.. شارع شارع.. زنقة زنقة، بعد أن أصبحت هذه المواقع مسارح للقتال اليومي الذي لا ينتهي.

كانت البداية في العراق، حين تزامنت مصائب بني يعرب مع تطور إمكانيات النقل التلفزيوني للمعارك، فما إن بدأ الهجوم الأمريكي على العراق حتى بدأ الناس بحفظ أسماء القرى والبلدات والمدن ومواقعها على الخريطة من أم قصر للناصرية للكوت، وصولا إلى سامراء والرمادي والفلوجة وديالى وتلعفر والرطبة وسنجار، خرائط تتلوها خرائط.. تحدد مواقعها الطائرات المقاتلة وتستعرضها مذيعات النشرة الإخبارية الحسناوات، خرائط للحفظ فقط ولتصور شكل العمليات العسكرية، وليست مخصصة أبدا لإمكانية تخيل أن هذه القرى والبلدات والجبال تحتوي على بشر وحكايات وأحلام محطمة وآهات جرحى وجثث قتل أصحابها دون أن يفهموا لماذا قتلوا؟، وهكذا لم تعد معلومات العرب الجغرافية حول العراق محصورة بالبصرة وبغداد والموصل (ما أبعد المسافات غير الجغرافية بين المدن الثلاث اليوم!)، بل تخطت ذلك إلى سائر أنحاء العراق؛ لأن درس الجغرافيا مستمر حتى بعد مغادرة الأمريكان.

وهكذا تواصلت حصص الجغرافيا على الهواء مباشرة في أكثر من بلد عربي، ففي ليبيا حيث امتدت معركة إسقاط القذافي لتشمل ليبيا كلها (زنقة زنقة) أصبح العرب اليوم يعرفون ما هو أكثر من طرابلس وبنغازي بفضل تقارير النشرات الإخبارية القادمة من هناك، حيث تعرفوا على سرت والزاوية ودرنه والزنتان والبيضاء ومصراطه والبريقه وغيرها، ولأن الجراح العربية لا تندمل أبدا، بل تواصل النزيف إلى ما لا نهاية، فإن الدرس الجغرافي الليبي مستمر مثله مثل الدرس العراقي حتى بعد مقتل القذافي.

ثم جاءت سوريا الحبيبة المنكوبة التي أصبحت تقدم شهادات دكتوراه مجانية في الجغرافيا، حيث امتدت معلومات العرب لتتجاوز دمشق وحلب إلى الغوطة والقلمون والرقة والقصير ودرعا وإدلب وجسر الشغور ومعرة النعمان ودير الزور والحسكة وكوباني والقنيطرة، هذا بخلاف أحياء دمشق مثل جوبر والحجر والأسود ومخيم اليرموك وأحياء حمص وحلب التي تغيب وتحضر أسماؤها بحسب كميات البراميل المتفجرة.

واليوم ــ للأسف الشديد ــ تبدأ حصص اليمن الشقيق، حيث تجاوزت نشرات الأخبار صنعاء وعدن، ليبدأ المواطنون العرب بتلقي أسماء المدن والمناطق اليمنية مثل تعز والضالع وأبين وإب ومأرب وشبوه والبيضاء ودماج ولحج، ونسأل الله أن لا تستمر دروس الجغرافيا اليمنية وأن لا يعرف أشقائهم العرب المزيد من المعلومات الجغرافية عن تضاريس اليمن، وأن يسود الوئام ويعم السلام كل بلدة وقرية بفضل تكاتف أبناء اليمن ودعم الأشقاء والمجتمع الدولي.

يا بني يعرب.. فلتسقط الجغرافيا إذا كان العلم بها يقود إلى ملايين القصص الإنسانية المؤلمة، ولتحرق كل الخرائط ما دامت ترسم بالدم والدموع والنار والحديد.. فأجمل الخرائط في الدنيا هي التي تدلك على المدن الجامعية والمعالم السياحية والطرق الآمنة الخالية من العبوات الناسفة!.. فمتى تنتهي حصص الجغرافيا كي ندخل في حصة الفيزياء؟!.

خلف الحربي

نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *