ما عندنا حريم يلعبون رياضة يا نورة

على الدكتورة نورة الفايز أن تدرك أن النار من مستصغر الشرر، وأن الرياضة المدرسية ستبدأ بالتمارين السويدية ثم الهرولة فالجري على الأجهزة الرياضية، ثم سيتمادى الأمر – لا قدر الله – وتبدأ الطالبات في لعب “الجمباز”!

بدأت شرارة الضجة عندما أكدت الدكتورة نورة الفايز أن وزارة التعليم تتجه لتطبيق مشروع الرياضة المدرسية للطالبات بشكل إلزامي، وأن الرافضين قلة لا يعتد بهم.
وعلى الفور توالت ردود الفعل ما بين الرفض المطلق والتحفظ والقبول المشروط. أما الذين رفضوا الفكرة بإطلاق فلم يوردوا أسباب رفضهم، لكنهم وكالعادة فتحوا صناديق الشتائم وأخرجوا منها كمية لا بأس بها وقذفوا بها الدكتورة نورة مع شوية “علمنة” على شوية “غباء” على قليل من “قلة التدبر” مع اعتساف للحديث النبوي الشريف “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، وبعضهم تمادى في الرفض مهددا بإخراج بناته من المدارس ومنعهم من التعليم!
الصنف الآخر هم من الذين يرفضون الفكرة على طريقة “لا بأس.. ولكن”، وهذه الفئة هي المتلونة الأشد وطأة من الفئة الرافضة بإطلاق، وهذه الفئة ترفض لأنها ترى أن ثمة حقوقا وأولويات للمرأة أبرز وأجدر بالاهتمام، ومن ذلك أنهم يحتجون بأن إنجاز المباني المدرسية عوضا عن المباني المستأجرة أهم وأولى، ثم يعرجون على قضية نقل المعلمات وما يعترضهن من حوادث مميتة في رحلة الذهاب والإياب، هذا مع أن تطبيق الرياضة لا يتعارض مع هذه الضرورات ولا يلغيها.
أما الفئة الثالثة فهم الذين يقبلون فكرة رياضة البنات في المدارس، لكن وفق بعض الشروط المنطقية والقابلة للنقاش والأخذ والرد.
لكن وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل قام قبل عدة أيام بسكب الماء البارد على قلوب هؤلاء المعترضين المحتقنين عندما ذكر أن حصص الرياضة للبنات لن تكون إلزامية.
والحمد لله فقد أعاد الوزير الوضع إلى نصابه الطبيعي، وإلا كيف سيكون الوضع لو بدأت بناتنا في ممارسة الرياضة في المدارس ثم خرجت هذه الآفة تدريجيا من خلف أسوار المدارس إلى الملاعب: ملعب الملز ثم على نحو أوسع في استاد الملك فهد، ثم تتحول سنة بعد أخرى إلى ممارسة طبيعية لا تجد شجبا ولا استنكارا من أهلنا.. ولا شك أن مخطط تغريب المرأة عندنا يتم على نحو متدرج، ومن ذلك التحجج بأن بناتنا صرن يعانين من السمنة المفرطة والترهل ما يتسبب في إصابتهن بالسكر وغيره من الأمراض، وهم يغفلون متعمدين أن كل هذه الأعراض والأمراض ليست إلا آثار النعمة والرخاء والرفاه التي تقتضي الحمد والشكر!! ولعل المتآمرين والكائدين ببناتنا يريدونهن نحيفات “عصلاوات” كأن بهن مسًّا من الفقر والعوز! ومما يؤكد أن استهداف بناتنا مرسوم بعناية أن أحدث ملاعبنا الرياضية في جدة قد سمي “الجوهرة” تخيل!! ولم تكن المؤامرة وليدة اليوم، بل إن التمهيد لها قد بدأ منذ زمن، ألا ترى أنهم يسمون درس الرياضة: “حصة رياضة”، وهكذا مرروا الخدعة بسهولة حين أطلقوا على الدرس “حصة” وصولا إلى استاد “الجوهرة” وهذه الخدعة لا تخفى على ذي فطنة! ما يشير إلى التمهيد التدريجي لتحقيق هذا الهدف البغيض، وما يدريك أن النية تتجه لتسمية بعض الملاعب الرياضية الأخرى المعتمد إنشاؤها في بقية مناطق المملكة بأسماء نسائية، وذلك إمعانا في إشاعة هذا الهدف وجعله شأنا طبيعيا والعياذ بالله!
لكن نحمد الله مرة أخرى الذي أجهض مخطط الدكتورة نورة الفايز، والشكر كل الشكر للدكتور عزام الدخيل الذي نزل تصريحه بردا وسلاما على قلوبنا، ونؤكد أن وزن بناتنا وحجم أجسامهن وما تبلغه أجرامهن وما يصيبهن من أمراض هي مسألة تخصنا وحدنا ولا تخص أحدا سوانا! ولا نرضى لأحد خارج أسوار بيوتنا أن يقتحم خصوصيتنا السعودية! التي لا ينازعنا فيها إلا خاسر ولا يشاركنها إلا متطفل! ولعل الدكتورة نورة تعود إلى رشدها وتقر بخطئها الذي تجاوز الحد وجاء ليخترق “عاداتنا”! ويهز ثوابت “تقاليدنا” وهي التي تعلم أن المرأة السعودية المصونة ليست في حاجة إلى الرياضة، وأنها تحتسب الأجر على ما قد يصيبها من أمراض نتيجة عدم ممارستها الرياضة!
ثم إن عليها أن تدرك أن النار من مستصغر الشرر، وأن الرياضة المدرسية ستبدأ بالتمارين السويدية ثم الهرولة فالجري على الأجهزة الرياضية ثم سيتمادى الأمر – لا قدر الله – وتبدأ الطالبات في لعب “الجمباز”، وهي تعلم أن “الجمباز” كله نط وهبط ونقز وقمز، ما قد يسبب الاعتلال والمصع والتشقق والتمزق لبعض الأطراف مما قد تقتضي الحاجة معه إلى بعض التهميز والتدليك والتمسيج لتخفيف الآلام، وهكذا حتى نكاد نقول: “يا من شرا له من حلاله علَه”، أيضا ربما تبدأ الطالبات في شراء ملابس الأندية الرياضية وتتحول بناتنا إلى مشجعات كرويات للنصر والهلال والاتحاد والأهلي ثم وثم وثم.. وهكذا ينحرف الهدف الأسمى وهو اللياقة والصحة إلى ما هو ثانوي وهامشي.. ولهذا نقول أخيرا: “ما عندنا حريم يلعبون رياضة يا نورة”.

إدريس الدريس

(الوطن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *