في رثاء والدي .. الملك عبدالله

لم يغب ذلك اليوم عن ذاكرتي، كنت أقضي صيف آب (أغسطس) 2005 في بيروت برفقة عائلتي، استيقظنا على نبأ أحزن العالم بأسره، وكان النبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، توقفت جميع النشاطات الفنية في لبنان، وغصت معظم مناطق لبنان بالحزن العميق، ولم تمضِ سوى ساعات قليلة، حتى بدأت بعض المحال بييع الأعلام السعودية، وتذكارات ألصقت عليها صور للملك الراحل.

كان يوماً حزيناً، مريراً، قاسياً، وأذكر جيداً أنني وضعت صورة الملك فهد على قميصي، وبينما كنت أترجل على قدمي في «السولدير» وسط بيروت، كنت أتلقى التعازي من الجميع ولاسيما من الأشقاء الكويتيين -حفظهم الله-، في حين كانت الصبايا السعوديات يسألنني من أين حصلت على هذه الصورة، وقلوبهن مفعمة بحزن شفيف لا يخفى على العين والقلب؛ رغبة منهن في وضع صورة الملك الراحل؛ تعبيراً عن حزنهن وتأكيداً على هويتهن السعودية.

أما المشهد التالي، ففي العام الماضي وكعادة معظم السعوديين، كان منزلنا على أشده استعداداً للاحتفال باليوم الوطني، وكان الجميع صغاراً وكباراً يعلِّقون الأعلام والزينة في البيت، وصور خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله، كان البيت مفعماً بالبهجة والفرح، حتى العاملات كن يرقصن معنا على الأغنيات الوطنية، ويشاركننا من دون خجل في الرقص ورفع العلم السعودي، وكان والدي المصاب بمرض الزهايمر -عافاه الله- يساعدنا، من دون أن يدرك أن ما يقوم به هو احتفال باليوم الوطني، ما لفت انتباهي أن صورة الملك عبدالله لم تثبت بشكل جيد على الجدار، فسقطت الصورة، ووجدتُّ والدي يرفعها مرة أخرى ويقبِّل رأس الملك ويعيد إلصاقها مرة أخرى، وفجأة وجدته يمسح وجهه بغترته، فسألته: أبي، لماذا تبكي؟ فرد علي: هذا تاج رأسي، وتأثرت أنها سقطت.

لا يمكن لهذين المشهدين أن يغيبا عن ذاكرتي، لا يمكن لي وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالة أعزي فيها الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية برحيل ملك أحبه شعبه حياً وفقيداً.

أدرك أن الجميع ينتظر مني مقالة أعدد فيها إنجازاته الكبيرة، التي جعلت المملكة تقفز في عهده نحو التطور المذهل الذي لا يغيب إلا عن ناظر الحاقدين على المملكة، لكن يكفي هذا الملك العظيم حبه الشديد لشعبه، وإيمانه المدهش والمؤثر بقيمة الفرد، إلى جانب رغبته الكبيرة في الإصلاح والتقدم نحو الأفضل. لقد رأينا في عهده ماذا يعني أن تفخر بكل ما يحدث لوطنك، وماذا يعني أن يكون لديك ملك تعشقه وتحنو عليه وتتأثر وتبكيه في كل مرة نبلَّغ بخبر دخوله المستشفى للعلاج. لا أظن أن هناك ملكاً اتفق الجميع على حبه.

لقد بكته الأمة العربية والإسلامية، وبكاه أفراد شعبه، ألم يقل لنا ذات مرة أننا أشقاؤه؟ ألم يكن لنا أباً رحيماً وودوداً، فكيف بالله عليكم لا نبكي فقدانه ولا ندعو له بالمغفرة، وأن يجعله الله في جنات النعيم؟!

سارة مطر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *