بعد أن أخذه الموت ..

كان هناك ليلة .. باردة نوعاً ما .. هادئة لا يعكر صفوها شيء نام بها طفل ولد للتو ، ونام بها رب أسرة ، ونام بها جندي بعد أن أمضى ليلته الماضية يحمي وطنه ، ونامت بها فتاة ذات 12 ربيعاً جل طموحها دمية تلعب بها ..ونامت بها مدرسة أثنت عليها طالبتها يوم أمس وشبهتها بأمها ،، ونام جد وجدة احتضنا بعضهما كي يعيشا سوياً ويموتا سوياً …… كل هؤلاء ناموا لكنهم استيقظوا بشكل مختلف …… استيقظوا بعد أن تركوا نومهم يفصل بينهم وبين سماعم لتلك الصاعقة ، لذلك الخبر الذي تداولناه قبل ساعات من نومنا ولكننا أصررنا على أنه إشاعة ، ربما كنا نحاول أن نطمئن أنفسنا لنكذب الكذبة ونصدقها ،، ربما لأننا نؤمن بقضاء الله وقدره لكننا لسنا مؤهلين بعد للعيش دون أب ،، ربما لأننا لم نتعلم بعد كيف يأخذ الموت من لم نفطم بعد من محبتهم … ربما لأننا ما زلنا نحتاجه ؟؟!

توفي ” بابا عبدالله ” كما كنا نسميه ، كما كان يفرح عندما نسميه ، ولأول مرة أرى أطفالاً حزينين ، وهل يدرك الطفل ويعي ماذا يعني موت الملك ؟! بالتأكيد لا ، لكنه يدرك ماذا يعني موت الأب وكأن الأطفال يبكون أباهم ،، لأول مرة أجد النساء كسيرات ،، لأنهن أدركن ما معنى فقد الرجل الحامي الداعم ، ما معنى سند المرأة ، ما معنى أن نفقد من قال : المرأة هي أمي وزوجتي وابنتي ، أنا مخلوق من المرأة … لأول مرة أنظر لعمال النظافة والخادمات اللاتي لم يجدن اللغة العربية بعد يبكون ،، لأول مرة تجد قرارات الحداد وتنكيس الأعلام وإيقاف المهرجانات والاحتفالات في أغلب الدول العربية والأجنبية تصدر بهذه السرعة .. يااااااااااااااه ، هل فقدنا فعلاً هذا الشخص ؟!

أنا أمشي اليوم على قدمي وأجد الشوارع تبكيه ، أنا لا أبالغ ، تستطيع رؤية هذا بنفسك ، اسأل حارسه الشخصي عن فقده ،، اسأل حراس قصره ، اسأل مرافقيه ،، اسأل الطفل الذي تواجد بملعب الجوهرة وقدم له الملك قلماً تذكارياً ،، اسأل المصورين الذين نالوا شرف تصويره ،، اسأل كل شخص مر بجانبه أو رآه من بعيد أو سلم عليه ،، واسأل كل حاكم دولة : أي رجل فقدوا؟ .. اسأل نفسك واسألنا نحن وانظر تحت قدميك وستجد شوارعنا حزينة تبكي .. وداعاً بابا عبدالله كن بخير وارقد بسلام .

الحياة حلم يوقظنا منه الموت ………… مثل فارسي.

(أميرة العباس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *