متى سينتصر «داعش» ؟ عندما نفكر مثله

لماذا استهدف «داعش» الأسبوع الماضي مركزاً حدودياً نائياً بين السعودية والعراق؟ الإجابة بسيطة، لأنه لم يستطع أن يضرب في قلب الرياض، ولو استطاع لفعل.

عملية معبر «سهيل» بعرعر السعودية سهلة، جاء الإرهابيون من العراق حيث دولتهم المزعومة، يخطّطون ويتآمرون ويتدربون فيها، إذ إن السلاح والمتفجرات فائضة عن الحاجة، ولو حاولوا القيام بعملية مماثلة في الرياض لاحتاجوا إلى تهريب هذه الأسلحة وتخزينها في بيوت آمنة، يلجأ إليها شبابهم العريقون في الإرهاب والمجندون الجدد، يخشون من المباحث أن تنجح في زرع أحد عناصرها بينهم، أو أن يتحدث شاب غرّ لوالدته أو ابن عمه عمّا يفعل، فيكشف عن خليتهم وسلاحهم، ويضيع جهدهم، وكل ما بنوه طوال أعوام سبقت إعلانهم «الجهاد في جزيرة العرب» في آذار (مارس) 2003 ضاع خلال أقل من عامين. نجح الأمن في قتل واعتقال أفضل عناصرهم، بعضهم حوكموا وآخرون يحاكمون، مئات منهم بين السجن وإصلاحيات المناصحة، نجحت وزارة الداخلية في مهمتها وباتت يدها العليا عليهم، حتى عندما لجأوا إلى اليمن لم يجدوها كما تمنوا، لا تصلح لإطلاق جهاد يعودون به إلى جزيرة العرب، هم مطاردون هناك أيضاً، والآن مشغولون بصراع مع الحوثيين.
ما يعتقدونه «الدولة الإسلامية» ما بين العراق وسورية باتت مساحة حرة وآمنة لهم، تجدد فيها أمل «القاعدة» أو «داعش» السعودية أو غلاة السلفية، وكلها أسماء للشيء نفسه، بأن تكون قاعدة انطلاق يعودون منها فاتحين ظافرين، لا بد أنهم يمضون ساعات يحلمون بتلك اللحظة، يتهادون على ظهر سيارتهم ذات الدفع الرباعي المغبرة، في تحلية الرياض، يحمل أحدهم رايته السوداء في يد و«الكلاشن» في الأخرى، يتخيل زملاءه في الثانوية على جانب الطريق ينظرون إليه، تختلط مشاعرهم بين الخوف والترحيب، يهمه أن يخافوه قبل أن يرحبوا به.

هذه الأحلام والتمنيات، تجر إلى جلسات «التخطيط الاستراتيجي»، يبحثون فيها كيف ينقلون المعركة إلى داخل السعودية. هناك أهداف أهم عندهم من مجرد هجوم على مخفر حدودي في الشمال والجنوب، يريدون تكرار عصرهم الذهبي من 2003 إلى 2006. الغضب والكراهية يعتصرانهم، مؤمنين بأن بلادهم على رغم كل مظاهر التديّن فيها، حادت من الطريق، سقطت في امتحان الولاء والبراء، تحالفت مع دول الكفر فأصبح كل من قبل بذلك كافراً يسري عليه حكمهم القاسي بخروجه من الدين وحرمته التي تعصم دمه وماله، باتوا مقتنعين بأن بلادهم تتعرض لمشروع تغريبي، مؤامرة تخرج المرأة من خدرها، والشرع من دوائر القضاء وبأنهم يأتوننا بالذبح والنجاة معاً.

لو استطاعوا لكانت المؤسسات الأمنية أول أهدافهم، وزارة الداخلية من رأسها، الذي حاولوا استهدافه من قبل، إلى أصغر جندي، بضربها يفقد المواطن شعوره بالأمن ومعه بقية الوطن، فيسهل اختراق المؤسسات والعقول معاً. الهدف الثاني المؤسسات الثقافية، وخصوصاً الصحافة التي كادت لهم، وشوهت صورتهم وصرفت الناس عنهم، سحرة فرعون كما يسمونهم.

علماء الدين في القائمة، فهم أيضاً يصرفون الناس عنهم، يصفونهم بالخوارج، حتى أولئك الصحويون غير المرغوب فيهم هذه الأيام، فإن تأثيرهم أعظم، للصدقية التي يتمتعون بها في صفوف الكوادر المحتملة للتجنيد، ولكنهم ينصحون ضدهم ويحذرون منهم، هم المتولون يوم الزحف، المثبطون، وبالتالي سيكون استهدافهم أدعى وأولى.

الأجانب وغير المسلمين هدف مفضل لهم، فثقافة التزمّت المنتشرة تجعل التحريض ضدهم أسهل، مرة أخرى سيستخدمون شعار «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب». الهدف الحقيقي، باستهدافهم مع المرافق الاقتصادية والنفطية، هو وقف التنمية وتوزيع المال الذي يشغل الناس عن الجهاد ويجعلهم رافضين الحياة الداعشية التي تجعل الحرب مصدر الدخل وليس التنمية.

كيف يحولون هذه الأحلام والتمنيات إلى حقيقة، عددهم وعدّتهم تزداد هناك في العراق والشام، أصبحوا أكثر من ألفين، لا خوف على الشباب الحديثي الأسنان عندما يصلون إلى هناك، إنهم في فخ محكم وغير معرضين للفتنة مثلما كانوا في البيوت الآمنة في السعودية، ولكن آلة الحرب والعمليات الانتحارية تأكل كثيراً منهم. لم يظهر حتى الآن قائد سعودي مميز بينهم، ربما «الخليفة» لا يريد ذلك، يريدهم مجرد بيادق في معركته بين الشام والعراق، يعلم هو وضباطه البعثيون أن «حلم» نقل المعركة إلى السعودية صعب، فالحدود بين العراق والسعودية منيعة بعدما أكملت وزارة الداخلية السياج الأمني المتطور، حتى تهريب الأسلحة مستحيل، ناهيك عن تسلل مئات.

ربما عملية سهلة مثل الهجوم على مخفر سهيل تشغل عناصر «داعش» السعوديين المتحمسين للعودة بعض الشيء، كما أنها مفيدة من باب «العلاقات العامة» تبقي حلم «غزوة الجزيرة العربية» حياً ومحفزاً لتجنيد عناصر جديدة. يعلم «داعش» أن هذا الحلم لا يزال بعيد المنال، ولكنه يراهن على المستقبل، يرى أن غزو السعودية يجب أن يكون من الداخل، يهاجم الحصن من داخله، هذه هي الخطة. بالتالي حان الوقت لأن نتفكر في احتمالات انتصار «داعش» بقدر ما نتفكر ونخطط كيف نقضي عليه، لننتبه إلى الثغرات في الحصن.

إنها نظرية رياضية، إذا افترضنا أن «داعش» «صفر»، فكلما اقتربنا من ذلك الـ«صفر» كلما زادت احتمالات أن ينتصر «داعش» ويخترق عقولنا ودفاعاتنا، بالتالي يجب أن نبتعد عن ذلك الـ «صفر» في سياستنا، تعاملنا، تعليمنا، تسامحنا مع بعضنا والآخر، باختصار يجب ألا نتصرف ونفكر مثل «داعش» قدر الإمكان. جريمة «شارلي إيبدو» بباريس الخميس الماضي كشفت عن مساحة تداخلنا فيها مع «داعش». تبرير بعضنا الجريمة ثغرة، هل لاحظتم سكوت العلماء عنها؟ لم يصدر بيان يندد بها، غير البيانات الرسمية، بيان حكومي رسمي، ثم رابطة العالم الإسلامي، وآخرها الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، ولكنْ قليل من العلماء من تطوّع وتحدث بلسانه ليستنكر العملية «تحت أي مبرر» كما ورد في بيان أمانتهم العامة، ذلك أن هناك ثغرة محرجة، فالمجلة المعتدى عليها تطاولت على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كانت مجلة سعودية لطبق عليها الحكم الشرعي، ولكن هل من حق أفراد مقيمين في فرنسا، يعيشون ضمن القانون هناك، الذي يسمح بتلك «الحرية»، أن يطبقوا حكماً شرعياً لا يطبق في غير بلد إسلامي؟

عجز العلماء عن تكييف الحكم الشرعي مع القانون الدولي يجعل الدولة تقف منفردة. حادثة «شارلي إيبدو» نموذج لهذه المعضلة التي يحولها «داعش» إلى ثغرة يتسلل من خلالها إلى عقول حديثي الأسنان، سفهاء الأحلام.
إذا قبلنا بأن نفكر مثل «داعش»، حينها ستنتصر علينا.

جمال خاشقجي

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *