هاجموا الغامدي وسكتوا عن الكتيب الداعشي!

في المسرحية الشهيرة (شاهد مشفش حاجة) قال المحامي عن المتهم (سلومة الأقرع): “أنا خليفة خلف الله خلف خلاف المحامي حاضر عن المتهم”. سكت المحامي وضحك عادل إمام مستغربا من الاسم الذي لم يستطع حفظه طوال المسرحية حتى نطقه: “هو اسمه إيه! إتنين مش طايقين بعض”! هذا المشهد المسرحي يتكرر اليوم في أماكن مختلفة من عالمنا الإسلامي، فنحن أكثر الأمم تحدثا عن الوحدة، وأكثرها خلافا على وجه الأرض، نردد دائما “اختلاف أمتي رحمة”، ونتظاهر باحترام الرأي الآخر دون أن نجد لهذه الأقوال تجسيدا على أرض الواقع! ولعل التداعيات التي أعقبت رأي الشيخ الغامدي بشأن جواز كشف الوجه للمرأة وظهوره عبر البرنامج الذي تقدمه الزميلة “بدرية”، بصحبة زوجته من دون تغطية وجهها وتهديده بالقتل ووصمه هو وأهله بأقبح الأوصاف، لهي دليل واضح على أننا نعيش أزمة مع فكر متشدد يقتات على الثقافة الأحادية.

ولذلك أقولها هنا وبكل صراحة إن عدم التسامح مع حق الاختلاف كان يشكل المساحة الأعظم في تاريخنا، ولعل البداية كانت مع الخوارج حينما لجؤوا إلى السيف أسلوبا لحسم الاختلاف عندما خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بحجة أنه حكم الرجال، ولا حكم إلا لله، ويجب عليه أن يتوب أو يُقاتَل، واعتبروا كل من خالف رأيهم أو سكت وقعد عن الخروج معهم كافراً، وأباحوا تبعا لذلك دماء المسلمين. وأطلقوا على أنفسهم “الموحدون”، وتتوالى الأحداث في مقتل الإمام الحسين واستباحة المدينة وضرب الكعبة بالمنجنيق والتنكيل بأهل البيت عليهم السلام، والأمر ذاته الذي جعل المسلمين لـ200 عام يتقاتلون بسيوفهم حول السؤال: “هل القرآن قديم أم مخلوق”؟ اضطهد فيه الإمام أحمد بن حنبل، وركب من خلالها الغوغاء مركب الدين في قتل المخالفين. واللافت أن الهجوم على الغامدي كان يتزامن مع الكتيب الذي نشره تنظيم داعش قبل أيام تحت عنوان “السبي والرقاب”، ولكن مع ذلك لم نر ذات الهجوم على الكتيب الذي يبين جواز وطء الأسيرة التي لم تصل سن البلوغ وجواز بيعها وبيان حدود المشاركة في سبية واحدة وجواز وطء السبيتين الأختين!
32 سؤالا في الكتيب الداعشي تكفي لطرح مئات “الهاشتاقات”، لكن الصمت كان هو عنوان القضية ليكون السؤال: لماذا؟ ولماذا كبيرة؟ لماذا هذا التشدد والتضييق في مسألة هي في واقعها ليست من إجماع المذاهب الإسلامية؟ فهذا نص في كتاب “نيل الأوطار” (البابي الحلبي) تحت حديث عائشة: “يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه”. أما آية: (ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فإن تفسير الزمخشري للزينة هو قوله: “فما كان ظاهراً منها كالخاتم والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب…”. ثم قال الشوكاني عقبه: والحاصل: أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه، الحاجة عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة، وهذا على ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى.

أما آية (يدنين عليهن من جلابيبهن) فهناك من يُصر أن معنى “يدنين”: يغطِّين وجوههن، وهو خلاف معنى الكلمة: “الإدناء” لغة، وهو التقريب جاء في (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل) للشيخ المرداوي: “الصحيح من المذهب أن الوجه ليس من العورة”. إدناء الجلباب على الرأس غير تغطية الوجه بالكامل، أما الحديث “لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين” فيستنتجون منه أن الرسول أمر المرأة أن تكشف وجهها في الحج، أما في خارج الحج فمأمورة بالتغطية! وهو ما يقره الألباني ويعلق الشيخ الغزالي: “هل إذا أمر الله الحجاج بتعرية رؤوسهم في الإحرام، كان ذلك يفيد أن الرؤوس تغطى وجوباً في غير الإحرام”؟! أما الآية: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ذكر ابن الأثير وابن كثير أن الخمار: غطاء الرأس فقط دون الوجه، وعندما يأمر القرآن المؤمنين والمؤمنات بأن يغضوا أبصارهم، فهذا يفيد أن الوجوه مكشوفة، وإلا لماذا كان الأمر بالغض، ولو كانت وجوه النساء مغطاة، فممّ يغض المؤمنون أبصارهم؟!

وأخيرا: أنصحكم بمشاهدة: “شاهد ما شفش حاجة”!

علي الشريمي

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *