«العدل»: لا تتوسط فتعاقب!

تهديد مخيف الذي أطلقته «العدل» بحسب هذه الصحيفة أمس، فهي لم تقتصر على ضمان الإجراءات القضائية وسلامتها، وتحصين القضاء من أي تدخل، بل سدت باباً مشرعاً مداره الواسطة التي امتدت لمحاولة التأثير في القضاء والتشويش عليه، فكان رد الوزير أن مجرد الشفاعة ستكون تهمة تؤدي إلى المحاكمة موجهاً رسالته إلى الجميع بمن فيهم «أصحاب المناصب وذوو الهيئات كافة»، حتى لا توسوس الأمارة بالسوء إلى أحد أن يستعرض وجاهته أو يدعي نفوذه.

وزارة العدل التي حاربت بصرامة الصكوك المزورة، وحطمت شبوكاً زائفة، وأنقذت أصحاب الحقوق عبر تطبيق قضاء التنفيذ، وقلصت زمن نظر القضايا نتيجة الالتزام وسرعة البت لم ترتضِ أن يكون قضاتها عرضة لأي حرج أو تعدٍ حتى إن كان افتراضياً وقائماً على مسايرة المتهم وإظهار الدعم له.

الشيــــخ الدكتــــور محمد العيسى تلقى خطاباً من أحد رؤساء المحاكم يبلغه حرج القضاة من تدخل شخصيات رسمــــية واعتــبارية بالشفاعة في دعاوى منظورة لدى المحاكم، فكان رده حاسماً بتحذير الشافعين والمتوسطين أن مقعدهم سيكون إلى جانب المتهم إن حاولوا التأثير بأي شكل في مجرى المحاكمة أو على أحد أعضائها أو أطرافها أو شهودها.

يدرك الوزير أن هذه الخطوة صادمة ومؤلمة لثقافة اجتماعية جعلت أي اتصال هاتفي يصدر من موقع رفيع أو صاحب سطوة يؤثر في الإجراءات ويبدل المسار سواء أكانت المسألة وظيفة أم سرير مستشفى أم حتى تسريع إجراء اعتيادي، ويؤكد أن حاملي راية الشفاعة لا يريدون التأثير أو التدخل، وإنما إشعار المتقدم لهم أنهم قاموا بالواجب وبذلوا الجهد، وهو أمر له مخاطره، فالقضاة ليسوا سواء، وأصحاب المناصب ليسوا على درجة واحدة من القدرة، وأخطرهم بعض «ذوي الهيئات» الذين يكتسبون زخمهم الاجتماعي من خلال الشفاعة والواسطة.

لم يكن حرص الوزير على نشر خطابه أو تعميمه الصارم والحاسم إلا إنقاذاً لهؤلاء من مسايرة طالبي الشفاعة ومحاولة إرضائهم، والتشديد على أن القضاء ليس أحد نطاقات الخدمة التي تجري فيها الواسطة. لقد ُمنح «أصحاب المناصب وذوو الهيئات» فرصة الخلاص من إلحاح المستشفعين، إذ يضعهم في خانة الاتهام محيلاً إياها إلى تهمة تستوجب العقاب مهما ارتفع المقام أو الدرجة، لأن «تجاوز حصن القضاء الشرعي» ومحاولة انتهاكه لا يمكن التغاضي عنهما، وإن تسلّح بحسن النوايا واعتياد الواسطة، فالقضاء فوق الجميع والقاضي موظف شكلاً، مستقل عملاً، لا يسقط حكمه أي مسؤول «أياً كان» إلا درجة أعلى في التقاضي.

للتـــوضـــيح، إن التـــدخل لا يصدر عن الكبار، ولم يسبق أن سجـــلت السعـــــودية حوادث من هذا النوع، لكنه يأتي من الباحثيـــن عــــن القيـــمة والاعتبار وتأكيد سطوة الحضور، ومـــن أولئــك الذين يزرعون أهميتهم عبر مثل هذه الممارسات.

طالبو الشفاعة لن ينقطعوا فهل سيجرؤ المستقبلون لها على الاستعراض بعد هذه الخطوة؟ وهل سيدركون الخطورة أم أن الأمر يتطلب أن يكون أحدهم ضحية؟

ليــس فــي القضــاء واسطــة، وإن وجــد بعــض الحــرج، فهـــل يمـــتد الأثــر إلى مواقع تعيش على الواسطة وتكبر بها؟

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *