هنا ضمير فاسد

تتكرر الحوادث، ويتكرر معها سؤال: من المسؤول؟.. هل هي الأمانات أم شركة المياه أم “ضمير فاسد” فجعنا بحادث تلو آخر؟

أطرح هذه الأسئلة، بينما لم تكد تمر عدة أيام على فاجعة الطالب عبدالله الزهراني الذي “دفن” حيا لمدة ساعتين في حفرة صرف صحي “بالوعة” فمات غريقا بها في مأساة جديدة هزت ضمير المجتمع بأكمله.

ابتلعت الحفرة البسمة والأمل والمستقبل، حين ابتلعت عبدالله ابن الـ 16 ربيعا بعد خروجه من مدرسته “ثانوية سعيد بن جبير” الواقعة بحي كيلو ١٤ جنوب جدة، كما ابتلعت حلم عائلة بأكملها بأن ترى ابنها يكبر وينهي دراسته، ويجد له مكاناً مميزاً في مجتمع نريد له جميعاً أن يصبح أكثر تقدما ورقيا وازدهارا.

فاجعة “عبدالله”، أعادت للذكرى فواجع أخرى مشابهة أقربها في شهر ذي الحجة الماضي، عندما سقط المواطن علي منشو وطفله في حفرة مماثلة في شارع التحلية أمام زوجته وطفلته، ولا تزال نتائج التحقيق في وفاته ونجله محمد غرقا داخل غرفة الصرف الصحي لم تعلن حتى كتابة هذه السطور.

الغريب، أنه بعد هذه الفاجعة عثر الدفاع المدني على أكثر من حفرة وخزان صرف صحي في مناطق مختلفة بالمملكة بعضها بلا أغطية، وبعضها مغطى بألواح خشبية لا تحمي من السقوط وتكرار الفواجع، وبالطبع فإن المنطق يقول إن هناك حفراً أخرى غير مغطاة لم يتم اكتشافها لا تزال تنتظر ضحية أخرى من الأطفال أو الكبار.
لكن الأغرب في رأيي أن تظل المسؤولية عن هذه الحفر وما تسفر عنه من حوادث، تائهة بين أكثر من جهة، وكل جهة تحاول أن تلقي بالمسؤولية على الأخرى، فيما يلقي البعض بالمسؤولية على لصوص أغطية “البالوعات”، وينسى دور الأجهزة الأمنية والرقابية في تعقب هؤلاء اللصوص، ففرصة اللص في السرقة في ظل وجود رقابة مشددة تكاد تكون معدومة.

الحقيقة أن الجميع مسؤول، ولا يجوز لأحد أن يتنصل من المسؤولية طالما تعلق الأمر بحياة المواطنين، فحفظ النفس من مقاصد الشريعة الكبرى، وتجب محاسبة المقصرين والمسؤولين عن الإهمال، كما لابد من مطاردة لصوص الأغطية وضرب السوق التي تنتشر بها تجارة الأغطية سواء قبل صهرها أو بعده، وكذا لابد من أن تنتهي لجان التحقيق في هذه الحوادث من عملها سريعاً وتعلن نتائجها للمواطنين.

كما أن استمرار تكرار هذه الحوادث المفجعة يتطلب تدخلاً حقيقيا وحاسما وعاجلا لوضع حد لنزيف الدماء في بالوعات وحفر وخزانات الصرف الصحي وإلا فإن المواطن سيصاب بيأس من معالجة هذه الأزمة، وهو أمر لا يمكن تحمله.

ولابد هنا أن أشير إلى مسؤولية المجتمع أيضاً في معالجة ظاهرة “البالوعات” المفتوحة، فكل مواطن يرى “بالوعة” بلا غطاء ولا يحاول غلقها أو على الأقل الإبلاغ عنها هو شريك في فاجعة محتملة، وحسنا فعل شباب حي “كيلو 14” الذين تطوعوا لتغطية فتحات الصرف الصحي الموجودة في حيهم، وذلك بتأمين الغرف المكشوفة وإصلاح المتهالكة، حتى لا تقع حوادث أخرى في الحي ذاته، وذلك بعد أن فجعتهم حادثة عبد الله الزهراني، فإن تأتي متأخراً، خير من ألا تأتي أبداً.

طارق إبراهيم

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *