الحكام العرب… والأسد

علاقة كثير من الحكام العرب بالجيش «كراكب الأسد يخوِّف به وهو منه أخوف». العجيب أن معظم الحكام يجتهد في التوقيع على العديد من صفقات الأسلحة تحت شعار أن الجيش هو مصدر العزة والرفعة للوطن. حقيقة الأمر أن الحاكم يفعل ذلك لسببين: الأول: لكي يضمن ولاء قادة الجيش. السبب الثاني: دعم جيش تقليدي هش لا يملك أي مكامن للقوة، وهنا يقع الحاكم في غباء مضاعف أو مركب. فمن ناحية، لا يقف الجيش إلى جانب الحاكم. من ناحية أخرى لا يصمد هذا الجيش أمام أي نوع من المواجهة. الأنكى هو أن الدولة لم تجنِ سوى هدر الموارد.

أحداث «الربيع العربي» أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الجيش لم يعد الحامي الأمين للحاكم. هرب حاكم تونس، وسقط اثنان من حكام مصر، وسُحل حاكم ليبيا، وتنحى حاكم اليمن الأول وتصالح الحاكم الثاني أو استسلم لمجموعة من فصائل المتمردين. فأين الجيش؟ في مثال آخر، فوجئ العالم بتبخر الجيش العراقي أمام حرارة حفنة من المجموعات الإرهابية في الموصل، على رغم وجود أمرين: الأول أن بناء الجيش العراقي كان على يد الخبراء العسكريين الأميركان. الثاني: أن الحاكم والحكومة والدولة العراقية صرفت بلايين الدولارات لتأسيس جيش لم يتمكن من الثبات أو المقاومة، بل تداعى مع أول هبة ريح من رياح المواجهة.. فأين الخلل هنا؟

تغيُّر ماهية العدو والخطر المحتمل يتطلب إعادة هيكلة للجيوش القائمة وترشيد عقيدتها ومنهجها العسكري وعديدها وعتادها. كلنا يذكر أن إسرائيل تمكنت من هزيمة ثلاث جيوش عربية واحتلال أراضيها في ٦ أيام، بينما عجزت في ٦ أسابيع عن فعل الشيء نفسه مع حركات المقاومة. وكلنا يذكر أن صدام العراق كان يمتلك رابع أقوى جيش في العالم، لكنه لم يصمد أكثر من ١٠٠ ساعة أما جيش دولة عظمى. حتى بعد إعادة بناء الجيش العراقي لم يصمد أكثر من ١٠ ساعات أمام حفنة من «داعش». ولذا فإن ماهية العدو تحدد كيفية بناء الجيوش، حتى إنه ظهر علم جديد يسمى «الثورة في الشؤون العسكرية RMA».

ما يسمى «الجيوش القائمة» Standing Army هي فكرة مستجدة لا تتعدى 200 عام، كما أن الخبراء وعلماء السياسة وتحديداً العلاقات العسكرية-المدنية، تنبأوا بزوال تلك الجيوش أو تحولها إلى قوات شرطة في أحسن الأحوال، كقوات حفظ وصنع السلام التي تستخدمها الأمم المتحدة حالياً. (راجع، موريس جانفتز في كتاب «Professional Soldier»، وصمويل هنتغتون في كتاب «The Soldier and The State»)، في المقابل تملك سويسرا أقوى جيش دفاع في العالم على الرغم من عدم امتلاكها «جيش قائم» وتقليدي. كل ذلك بسبب تطور المجتمعات في سبعة عناصر: (١) الفرد والمجتمع، (٢) الدولة، (٣) النظام الدولي، (٤) الآلة، (٥) الكلفة، (٦) الحرب، وبأهمية خاصة، (٧) «ماهية العدو»، وهو ما يجعل من بناء جيوش قائمة بالطريقة التقليدية عبئاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً على الدولة والحكومة والمجتمع.

في المقابل، كلفة طائرة واحدة يمكنها أن تبني ٥٠ مدرسة أو ١٠ كليات طب أو هندسة، أو ٣ جامعات أو ٨ مستشفيات أو ٤٠ مستوصفاً أو ١٠ مراكز أو معاهد بحث علمي أو ١٠٠ نادٍ رياضي وثقافي، أو ٨٠ مسرحاً أو سينما أو دار أوبرا. لكن الحاكم العربي، وعلى رغم أن شعبه يغوص في وحل التخلف والجهل والفقر والبطالة والأمراض المستوطنة المتعددة ويعاني من الحصول على الرغيف والوقود، إلا أنه يتسابق ويتفاخر بعقد صفقة تسليح معقدة مع القوى العظمى شرقاً أو غرباً في وقت زالت معظم مسوغات بناء جيش تقليدي.

أخيراً، التكالب على شراء الأسلحة هي سمة بدائية في البشر، وسمة سوء إدارة الموارد، وختاماً، على الحاكم العربي «الذكي» أن يستحضر المتغيرات والتطورات المتسارعة والمتلاحقة التي غيرت كثيراً من حاجات الإنسان وأولوياته وتبعاً لذلك أساسيات التنمية وعناصر القوة، وليستثمر الحاكم في بناء الإنسان فقط ليصبح المجتمع الذي يحكمه أقوى من الطائرة والدبابة وأكثر أماناً من الأسد.
طراد بن سعيد العمري
(نقلا عن الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *