عبدالعزيز الخضيري .. وصنع المبادرات

 

كلما اطلعت عن قرب على آليات العمل في معظم القطاعات الحكومية، وكلما اقتربت أكثر من المكاتب وتغلغلت في التفاصيل، ستتلاشى الكثير من علامات الاستفهام والتعجب التي عادة ما تبرز مع أي عمل بدت مخرجاته غير متناسبة البتة مع حجم اعتماداته المالية أو مع ما هو مثيل له عند غيرنا، وليس بالضرورة أن يكون هذا الغير خارج الحدود، فيمكن المقارنة مع القطاع الخاص عندنا، وحتما هذا العمل قد يكون مشروعا، وقد يكون تنظيما، وقد يكون مبادرة، وقد يكون إشرافا، وقد يكون رقابة، وقد يكون سلوكا، فالهوة كبيرة بين ما نراه عند غيرنا، وبين ما نراه عندنا، ولهذا بات أي عمل يأتي على خلاف ما هو مألوف وعلى خلاف ما هو متوقع من الرداءة والتعاسة يناله المدح والثناء، ويلقى اهتماما كبيرا كون ما هو مفترض أن يكون عليه الحال من الجمال والجودة والتمام بات نادرا، بينما الصحيح أن تكون المعادلة بالعكس بحيث يبقى العمل غير المتسم بالجودة والجمال هو الشاذ، وهو ما لا يعتد به ولا يقاس عليه.
أقول من واقع تعاملي وقربي من العمل في عديد من القطاعات الحكومية، ومن خلال حديث ونقاش ما ينتهي بيني وبين من يعملون في هذه القطاعات، منهم من هو برتبة وزير، ومنهم من هو برتبة سكرتير، بدت العلة فيما أشكو وفيما تحوم حوله علامات الاستفهام والتعجب في الأشخاص الذين يديرون تلك القطاعات، حيث بدى أن غالبيتهم المطلقة عاجزون عن إدارة العمل وتوجيه البشر بما يمكن أن يظهر لنا الفارق بين ما عندنا وما عند غيرنا، فهؤلاء الأشخاص إما أنهم دخلوا مكاتبهم من النوافذ، أو أنهم من طينة من أشبههم بالحليب المنتهي صلاحيته، فمهما رججته أو أضفت عليه ماء فلن يكون صالحا للشرب!
وعلة العلة أننا لا نعرف كيف نختار من يتولون إدارة أعمالنا، ولا من يتولون الرقابة، والإشراف، فضلا عن أن التغيير وإتاحة الفرصة لمن هو أكفأ مسألة شبه مستحيلة، فنظام الخدمة المدنية لا يمكن العبث به أو المساس به، فطبيعي أن نجد شخصا غير قادر على إدارة شخصين أن يتولى إدارة من مئات البشر، كون الترقية الروتينة وضعته في هذا المنصب، وكلي يقين أن لدى كل من يقرأ هذه السطور شواهد عديدة على ما أقول.
هذه العلة هي التي جعلت الرجل المناسب في قطاعاتنا الحكومية عملة نادرة، وبات توفره أمرا صعبا.
فكرة هذا المقال وردت على بالي وأنا أقرأ خبرا مفاده أن الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، أصدر قراراً بتكليف الدكتور عبدالعزيز الخضيري مديراً تنفيذياً لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، وكيف لاقى هذا القرار صدى طيبا أسعد الكثير بمن فيهم شخصي، فالقبول الذي يحظى به الخضيرى ناجم عن كونه واحدا من قلة ممن إذا تولى مهمة أبدع فيها، وصنع المبادرات، ورسم أهدافا وسعى إلى تحقيقها، بينما من دخلوا إلى المكاتب من النوافذ أو من خلال نظام الخدمة المدنية التعيس تنحصر اهتمامات جلهم في كيفية التشبث بالمقعد والاستفادة من مزاياه، أما مسألة التطوير وإضافة قيمة للمكان الذي هم فيه فذاك أمر محال، ففاقد الشيء لا يعطيه.

 

طارق إبراهيم

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *