روحاني.. ورومانسية الردع الفعال «شر البلية ما يضحك»

أن تكذب فيما يحتمل التأويل أو تعدد التفسيرات فهذا وارد، رغم ابتذال الكذب، ورداءة بضاعته في سوق الخصال، لكن أن تكذب فيما يراه الناس بأم أعينهم، ويعلموه ويُدركوه، ولا يكاد يخفى على أي ساذج، وكأنك تُصادر كل حواس الآخرين، فهذا ما يندى له الجبين، ويستدرج الضحك على أنه شرّ البلية.

الرئيس الإيراني حسن روحاني، يبدو أنه هو الآخر -وهو من قدم نفسه على أنه القادم من معسكر الاعتدال- قد أصابته نشوة الجلوس في الكفة المقابلة لدول الـ5 + 1، والتي عصفتْ بعقول الملالي في طهران من قبله، فتوهموا أنهم القوة المكافئة لقوى العالم الكبرى، مما يخولهم أن يقولوا ويكذبوا كيفما شاؤوا، دون أن يجرؤ أحد على أن يقول لهم: كفى بهتانا، وكفى زورا بعدما أغرقتم المنطقة بسياساتكم الحمقى في دوامة الإرهاب والفوضى، فالرجل خرج على الناس بخطاب أقرب لمسرح الهزل خلال استعراض عسكري أقيم يوم السبت الماضي جنوب طهران، ليدّعي أن قوات بلاده المسلحة تنتهج (استراتيجية الردع الفعال، وإرساء السلام، وليس العدوان على المدنيين)، وأضاف: (إن هذه الاستراتيجية التي يبدو أنه ابتكرها في خياله هي مدعاة للاستقلال والسلام والأمن في البلاد والمنطقة).. مدّعيا أن البحرية الإيرانية ترفع راية بلاده من الخليج العربي إلى خليج عدن، ومن بحر عمان إلى البحر المتوسط إنما تهدف إلى ضمان أمن الدول المطلة على تلك البحار!، (ويجب ألا يشعر أحد بالقلق من وجود القوات البحرية الإيرانية هناك)!!.

هذا الحديث الفج والممجوج حد السخرية لم يصدر عن إمّعة باع ذمته مقابل حفنة من «التومانات»، ليملأ به شاشة فضائية مستأجرة أو ممولة من طهران، ولم يصدر من أحمق تعطلت كل حواسه فلم يعد يرى ولا يسمع إلا ما يقوله له مولاه، وإنما صدر من رجل يأخذ صفة رئيس الجمهورية، ومن الواضح أنه لا يتندر، وإنما يتحدث كما لو كان يروي حقيقة ما رآها أحدٌ سواه، وهنا يترتب على العقلاء، كل العقلاء أن يناموا وأن يُغمضوا أعينهم فهم في أمان الله طالما أن قاسم سليماني يصول ويجول في وسط العراق وشمال وغرب سورية، وفي لبنان، وفي صعدة، وعليهم أيضا أن يدركوا أن ما تفعله (دولة السلام) التي كانت خلف كل حريق شبّ في هذه المنطقة، أن كل تلك الحرائق التي أشعلتها إنما هي (للردع الفعال) وحسب، وأن كل الدماء التي سالت، والأعراض التي اُنتهكت بسبب تدخلات إيران إنما كانت ضريبة أخلاقية لذلك الردع الفعال، الذي لا تريد من ورائه إيران، ولا الرئيس روحاني لا جزاء ولا شكورا، سوى ضمان أمن دول المنطقة من الخليج العربي إلى خليج عدن، ومن بحر عمان إلى البحر الأبيض المتوسط.

أرأيتم كم نحن بأيدٍ أمينة؟، من مثل هذا الإقليم في كل أصقاع الدنيا له سعادة مثل هذا الجوار الرومانسي الذي لم يسبق وأن اكتشفه أحد قبل فخامة الرئيس المعتدل جدا حسن روحاني؟، والذي سخر كل قوى إيران ووصل الليل بالنهار عبر استراتيجية الردع الفعال للسهر على أمن المنطقة، ثم من قال: إن إيران تحتل أربع عواصم عربية؟، من هو هذا المدّعي الذي لا يفقه معنى الردع الفعال؟، لا بد أنه لم يتخرج من مدرسة روحاني الرومانسية التي يبدو واضحا أنها أصيبتْ بلوثة لا شفاء منها، بحيث أصبحت ترى القتل والموت سلاما، وترى الاحتلال حماية لأمن الدول، وترى في إشعال الفتن ردعا فعالا.

أخيرا.. هل بعد هذا الكذب الفاضح ومن أعلى مواقع الدولة في إيران، من سيعوّل على وجود مسؤول عاقل في طهران يمكن الالتقاء معه على مائدة حوار تجنب هذه المنطقة ما هو قادم من نذر الشر التي يقودها هذا المنطق الأخرق، والذي لا يصدر إلا عن جاهل متكبر؟، هذا هو السؤال؟.

نقلا عن “اليوم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *