دول الاستعمار ترفض الاعتذار للشعوب التي احتلتها ودمرت فيها الإنسانية

جميلة بو باشا
ريما الرويسان

في القرن الماضي تقاسمت دول الاستعمار معظم الدول العربية والإسلامية ودمرت فيها الإنسانية وسلبت خيراتها، هذه الدول المستعمرة أنجبت أيقونات خالدة وسط ظلام الاستعمار واستبداده، فالجميلة التي انتفضت لأجلها عروش الشرق والغرب من الرئيس الأمريكي جون كيندي إلى الرئيس الصيني ماو تسي تونغ.

تلك المرأة التي حركت مشاعر الكُتاب في العالم من الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، إلى المفكرة والناشطة السياسية الفرنسية سيمون دي بوفوار التي عقدت ندوات من أجل تأليب الرأي العام ضد الاستعمار الوحشي؟

ليأتي الفنان العالمي الإسباني بابلو بيكاسو يقدم اعترفاً وعرفاناً ببطولتها في ثورة التحرير، ليخلدها عبر بورتريه شهير “مُلهمة بيكاسو”، لوحة بلغ ثمنها 400 مليون دولار عام 1962م، ولتدفع الجزائر فاتورة لفرنسا بمليون شهيد وأكثر ثمناً لحريتها!

فمن هي تلك الجميلة التي حركت الثورة والثوار رفضاً للاستعمار لتتعرض للاعتقال والسجن والتعذيب الوحشي؟ لتحاكم في محكمة عسكرية ولكنها انتفضت وفضحت جرائم الاستعمار لتحكي للعالم بشاعته بحقها وحق وطنها لتتحرك معها الأساطيل والرأي العام، وينقسم الرأي الليبرالي الفرنسي ضد الاستعمار الفرنسي نفسه! وتصطف جموع المحامين للدفاع عن ملهمة بيكاسو لتنال حريتها بشرف.

إنها جميلة بو باشا.. التي تربت في عائله ثورية، حيث كان والدها عضواً بارزاً في “حزب الشعب الجزائري”، وكان بيته لا يفرغ من الحفلات التي يتخذها (ستاراً) لاجتماعات أعضاء الحزب المناهض للاستعمار.

كانت جميلتنا ذا  السبعة عشرا ربيعاً توزع المنشورات الداعية لثورة ضد الاستعمار، وتم القبض عليها متلبسة بعملية فدائية، ومن بين ما تعرضت له المناضلة “جميلة” من تعذيب :عندما سألها النقيب “ليجي” قائلاً:

“لو أعطوك قنبلة، أين كنت ستضعينها؟”،فأجابته: “سأضعها في مكتبك حتى أضمن بأنني سأتخلص منك نهائياً”، فما كان منه إلا أن طرحها أرضاً وركلها بحذائه مرات عديدة حتى كسر أحد ضلوعها.

لقد كانت ولازالت رمزاً لنضال العربي بوجه الظلم والاستعمار لتنظم جميلة لجميلات الجزائر وهُن (جميلة بوحيدر، وجميلة بوعزة). دونت عنها الوزيرة فاطمة الزهراء (كُل الفخر والاعتزاز وأنا ألتقي احدى جميلات الجزائر المجاهدة والملقبة ثوريا بالخليدة). كلنا فخر واعتزاز بجميلة الجزائر تلك الثائرة التي رفضت الاستعباد والاحتلال لتثور في وجه الاستعمار الفرنسي لتُعتقل وتعذب.

أصبحت جميلة بو باشا رمز الحرية والنضال العربي بوجه الظلم والتي سطر التاريخ عنها مقالات عربية واجنبية وكُتب وافلام خلدها التاريخ كعصفور ثائر يحمي عشة ووطنه.

نالت جميلة بو باشا حريتها وانضمت للمجلس الوطني الجزائري بعد استقلال الجزائر. لا يدرك الجميع ان هذه الجميلة العظيمة والتي حركت مشاعر العالم معها لازلت تعيش بيننا. إنها إرث عربي واستثنائي لابد أن نفخر به كعرب وغيرها كثير من النماذج النسائية العربية واللواتي حفرن اسماؤهن في التاريخ لينال الوطن حريته. فالمرأة العربية لها سجل تاريخي حافل بالبطولات والتضحيات والإنجازات التي نفخر بها كعرب ويفخر بها العالم. فعلينا أن نفخر بماضينا ونزرع في أجيالنا حب الوطن.

ويبقى السؤال حائراً وعالقاً في الزمن والمكان والأذهان والتاريخ والأوطان! بعد كل ما قاسته الشعوب من قهر واستعباد وظلم وشهداء كانت دمائهم ثمن لاسترداد الوطن أما آن لهذه العنجهية والاستبداد أن ينتهيا ، بتقديم اعتذار لأمهات الشهداء؟ وللأرض التي أحرقت؟ وللطيور والإنسانية التي هاجرت؟

بصراحة.. لماذا ترفض دول الاستعمار تقديم الاعتذار للشعوب التي احتلتها، ودمرت فيها الإنسانية ولكن في الكثير من الأحيان الحرية لا تمنح وإنما تنتزع.

دمتم بسلام..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *