الرأي

خطوة.. خطوة

أسماء العبداللطيف

كاتبة سعودية،مدربة معتمدة في القراءة

أمي امرأة هادئة تملك سحرا خاصا، كل شيء عندها يبدأ بخطوة في كل شيء، وكل شيء بلا تعقيد..  في الحديث، في الطبخ ،في أي عمل كان …. عندما تروي قصة، كانت تملك فنها بتلقائية كبيرة ،وكأنها حتى في القصة ترسم الأحداث خطوة خطوة، رغم أنها أحداث وقعت منذ زمن بعيد لم يكن لها يد فيها ..لكن عندما ترويها تشعر أنها قصصها ، كنت – في كل مرة – أتمنى ألا تنتهي القصة وكل قصة اسمعها منها وكأني أسمعها للمرة الأولى … نفس القصص الأولى بنفس الشغف الأول … في الغالب لا تعلن أمي عن آرائها بعد القصص، ولا تحكم على الأشخاص، وتهمل كل رأي خاطئ لكن لا تناقشه حتى لا يتكثف ..ويصبح أهم من القصة ذاتها .

كنت أفكر دائما.. ماذا لو تفرغت أمي للكتابة ؟
كيف يمكن ألا تكتب بشكل مذهل كما تقص ؟

كنت أراقب دائما ملامح من يستمع لها …كانت ملامح مشدودة كلياً والجميع في النهاية يتنفس بعمق أو يفكر …وهنا مربط الفرس .
لم تكن القصص في مساءات الشتاء أو رائحة خبز (الدوح ) في صباحاته من أسباب سعادتنا فقط بل حتى الرقص … رقص الخطوة ..

جاءت أمي من الجنوب بكل قوتها ولست أعني قوة الجسد بل قوة الشعور . فبرقصة الخطوة تشاهد تاريخ جغرافي بانتماء كبير له بما نسمية الأصالة…. لم تتلوث تلك الخطوات بالروك أو الفلامنقو أو أي بدعة من الرقص …

كنت ألحظ هذه القوة في رقصة الخطوة … عندما تتقدم بخطوة ثم تعود مرة أخرى بخطوتين كأن تاريخا يأتي وجغرافيا تعود …مازلت أشعر أن طريقة الرقص في منطقة ما، هو جزء لا يتجزّأ من شخصية الإنسان فيه .

فوالدي لا يرقص الخطوة بل بالسيف، وكانت السيوف معلقة في مجلس الاستقبال رغم أن والدي عاش في الجنوب ثلاثين عاما، لكن الإنسان يحمل رقصته كما يحمل اسمه ….. وبين الخطوة والسيف تشعر بجمال الإختلاف و نوع الحياة …

قبل عدة أيام وصلت أختي من تبوك وكانت بهجة أمي كبيرة حملتها هذه البهجة للوقوف بصعوبة بالغة لترقص الخطوة … ورغماً عن السنين أرسلت أمي ساقها للسعادة …. وقفنا للخطوة كعهد منا وإيمان أن الجنوب بداخلنا يمتد بالرقص و الحب والذكريات ….. ابتسمت أمي بطمأنينة الوجود حتى غمرتنا ابتسمتها كالسحاب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *