رثاء .. الحسيني ذكراه لا تنطفئ

أحمد بن عبدالله الحسين

وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ *

غادر الحياة الدنيا الصديق الأديب والنديم ورجل الأعمال والأكاديمي الدكتور عبدالرحمن بن حسن الحسيني، الذي احتضنت الأحساء منبته ونشأته، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن منطلقه الأكاديمي والإداري، والرياض مجتذبه كرجل أعمال وريادي .الحسيني عرفناه منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وتآصرت أخوتنا معه ولم تَخَفت جذوتها.

هكذا ودعنا أخي الدكتور الحسيني يَوْمٍ الإثنين الثالث عشر من جمادي الأولى عام 1442هـ الموافق الثامن والعشرون من شهر كانون الأول عام 2020م.

الأقدار
بأحمالها هي ضيوف الرحمن لمن حمل يقين الإيمان فيُحسن قِراها (ضيافتها) لتأتي يوم القيامة مادحة لا قادحة، وقدر موت من نُحب جلّل مكتوب ولطف البارئ به محسوب، والمُتوفى أمانة رجعت لربها، وروح علّت في ملكوتها.
وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعٌ
ولا بُدَّ يوماً أنْ تُرَدَّ الودائعُ

خبر وفاته
ذكرني بأن الإنسان من التراب إلى التراب يعود، تلك عبارة لا يتغير وقعها، وتبدو أحيانا مثل جملة شاردة تفصح عن فضيلتها حينما يتأكد أنها ستصيبه. وقتها سيسكت الزمن والأشياء بل سيكون المآل أشد عتمة في تجويف صغير يضم جثة يكفي لاحتضانها، وكل تجاويف الأرض هي نفسها تطال البشر تاركة آلامهم خارج تلك التجاويف بل كلُّ شئ يحملونه.

هكذا تبدّى لي تمغنط النهاية بحتمية الموت التي لا تفارق أحدا، ولا يبقى إلا العمل الصالح سراج التجاويف.هنالك ندرك أن بعض الآمال الدنيوية تشبه قنديلا يفاجئنا بضوئه رغم أن زيته نضب منذ زمن بعيد، ولهذا وقوع الأمآل تكون أكثر حكمة للتفكير؛ لما فيها من ألم وتشوق، ولا ندري متى تحدث لحظة مفارقة الحياة وهي سريعة.بل تكون أحيانا كالمصيدة تنغلق علينا في ساعة احتضار والتي حينها تتبدد الآمال وتبرز ساعة اليقين. هكذا متى فارقَنا من نُحبهم نبّه القلبُ فينا بغتةً معنى الزمن الراحل فكان من الفراق على نفوسنا أثر كتطايرِ عدةِ سنينَ من الحياة.

الحسيني
قد أحب الناس وأحبوه وترك حضورا وأثرا لامعا، كريم الطباع ذائع الخُلق من عرفه وقرّه لا تسمع منه إلا طَيِّبُ الكلام ، وإذا تكلم لا يرفع صوته إلا قَدر ما يحتاجه السامع، ولهذا همسه هو قوله. ذاكرتي لا ينفك هو منها وشخصيته قدوة لمن تأملها دبَّ أثره في الحشا رقراق صديق صدوق رحمه الله. ولهذا ربط تلابيب قلوبنا بوِثاق.
عزاءه لا تُحيطه عباره والمشاعر لا تُؤطر أسراره.هو ربوةٌ طلتها تُلهم القلم لينطُقا
لفسيح أرض العين لاطرفها ترمُقا
بل قمر برائعة النهار من سماءها تدلى
وشمس تجرُ بمغيبها سدول شفق خجلى

هو ذاك
يعمل الخير بصوت هادئ وتتحدث خصاله بصوت عال. تُذكرنا سيرته لفهم أن الدنيا قوسان الأول منها الولادة والثاني الموت، فيُعمرما بينهما بكل ما هو نافع.هكذا هو كما عرفته وهذا ما في بواطن النفس عنه، وما تنطق به تلافيف الحشا،لا أبالغ هذا التوصيف ولا نزكي على الله أحدا.
آتاه الله من لطائف القدر وهو صابر محتسب. وتذكرت به أن أقدار الخالق عزوجل تُظهر من صدق في ايمانه بالله ومن أدعى. بل الاقدار نتعلم منها أن الخير فيما اختاره البارئ فيحل الرضا مكان السخط ، وأن اللطف يجبر كل كسر وندب يصيب القلوب، ويشفي الصدور، وأن لكل ألم سكينة وراحة، ففي الأقدار فرح مخبأ يسد الوجع مهما اتّسع.
هكذا ارتسمت عندي إيمانيات شخصية فقيدنا الراحل فيما آتاه الله من ابتلاء وكأنه يطرق سمعي:
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً
وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً
فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

رأيته في الرياض آخر زيارة
وهو يتعافى من أمراضه التي حلت به، كان مبتسما أنيقا يمتلئ حيوية وشغفا للحياة ومرحا وكريم خصال يألف ويؤلف. هو كذلك مدرسة لوحده لمن عرفه واقترب منه وذاك لما عنده من مواهب، وموسوعية ثقافة،وما يكنزه في ذاكرته وخبرته.
أذكر في تلك الزيارة طال حديثنا عن بشار بن برد والشريف الرضي وما لهما من أشعار في الغزل النسيب منها، وأخذ يتنادم معنا بها بفصاحة حديث وتناول.
اللهم رحماك له، انزل عليه شآبيب المغفرة وألحقه بالأولياء والصالحين وألَهَمنا العِظة في غيابه.
هو اللهُ رَبّي والقَضاءُ قَضاؤهُ
ورَبّي على ما كان مِنهُ حَميدُ
هكذا المنايا تتسلّلُ يوماً فيوماً ولا نشعر بها
فطوبى لمن عمّرَ خاتمته وأُخراه وأحب لقاء الله الذي يحب لقاءه.
فهو قد ارتحل الى ربه ودعنا وكأنه يقول
فأحي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
أو يوصي
للذي أحصى السنين مفاخرا
يا صاح ليس السرّ في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها
وهكذا الزمان وعاء
وما ألقي فيه من خير أو شرّ
كان على حاله
ونحن نقول لروحه الطيبة
على رغم المنايا تبقى قريبا
وليس بضائري بُعد الزمانِ
إذا ما فات عيني أن تراكُم
ففي قلبي أراكم كل آنِ

رد واحد على “رثاء .. الحسيني ذكراه لا تنطفئ”

  1. يقول Motasem Al-Qudah:

    رحم الله الدكتور عبدالرحمن بن حسن الحسيني واسكنه فسيح جناته . أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وانا لله وانا اليه راجعون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *