الرأي

وُجِد الحب لنفقد عقولنا

أسماء العبداللطيف

كاتبة سعودية،مدربة معتمدة في القراءة

يزدهر العالم بالأسئلة، وعندما تتوقف الأسئلة يعني أن لا وجود للأطفال ولا العباقرة ولا أكثر الأشخاص تأملا، وهذا يعني الجمود الكلي و الثبات القاتل لكل معنى وسطوة كبرى لقصة ما ..

خلف كل مشهد مهيب في فلم ما سؤال يطبق عليه صمت طويل، يصل إلى كل مشاهد، يجعله يتعثر بعنف بعد إنطلاقة ممتعة لساعة من الزمن … وخلف كل ابتكار لهفة عبقري.. وخلف كل كتاب عظيم عقل لا يعتقد أنه عظيم لأنه محير بالأسئلة دون اليقين . خلف كل اندهاش سؤال طفل .

لنترك السؤال الكبير.. ما هذا العالم ؟

في الأيام القليلة الماضية وصلتني حزمة أسئلة عن الحب، وأنا على يقين بأنه ليس المسؤول بأعلم من السائل، ولكن الزوايا بتجاربها وتراكماتها وسير حياتها تختلف فيتشكل الحب بصور متعددة، فنحب أن نقرأها آمنّا بالإجابة أم لا، المهم من هذا كله أن نؤمن بالسؤال ونشك بالإجابة .

كان السؤال الأول :
– هل يمكن قياس صدق الحب حين يقف في المنتصف بين عمق التسامح..وعمق الألم؟!

أخذتني كلمة (قياس) وشعرت أنها مرفوضة كلياً في عالم الحب فما الذي يمكن أن يقاس في الحب إن كان حباً حقيقياً؟! ..

أعتقد أن كلمة (قياس) لا تجتمع مع كلمة (حب) إن أردنا الصدق فيه …. صدق الحب شيء فائض، تشكيل عميق للحياة، واجتماع الأضداد فيه، فمن حبه تحب كل شيء مع ضده.. الصباح والمساء… الأسود والأبيض …الضحك والبكاء.. الحزن والفرح… الوجود به والانتهاء.. كيف يمكن قياس الحب من حالتين وإن كانتا أعمق الشعور فينا ؟
الحب لا يقاس، ومن وصل لقياس معين لحبه فقد وصل لنهايته .

السؤال الثاني :
– ما الذي يتحكم في تمدد وتقلص العلاقة بين الشعور بالحب والقدرة على التجاوز من عدمه؟

إن كان الغفران أب للحب فالاحترام أمه… أمك ثم أمك ثم أمك، الجميع في الحب يحتاجون الأمان، ولكنه ليس الأمان الذي يقول من أمن الحب أساء الوصل كما قالها نجيب محفوظ … إطلاقاً …أمان رحيم يبقي العلاقة حقيقية ليست مثالية لكنها صادقة، الجميع يتجاوز إذا كان الجميع يحب حبا مغموا بالاحترام مجبولا على الخطأ، إلا من أراد حب الملائكة .

– وما الذي يخلقها في علاقة ما بصورة مطلقة ويقننها في أخرى أو يقتلها ؟!

علاقة الحب عندما تقنن أو تقتل لم تكن حبا، ربما حاجة مؤقتة أو مشاعر عابرة للسبيل أو شيئا للتعافي أو اختبارا ذاتيا …لا نعلم . الإنسان نفسه لا يعلم هل هو واقع في الحب أو واقع في حب الوقوع بالحب .

– أن أحبك حقا وصدقا هل يعني أن أغفر لك مطلقا؟! أي ردة فعل للشعور أصدق بعد أن تهدأ زوبعة الخيبة ؟! المغفرة الصادقة ؟! أم الهجر الجميل؟! معجزة الحب في ذلك الغفران المطلق …

ليس مع الحب أسف …هجر جميل والله المستعان، يتبع الهجر بكل أنواعه أسف مريع وندامة قاتلة ….ربما هجر للمغفرة قليل يتبعه عودة صادقة …

– هل تقاس متانة الشعور بالحب وصلابته بقدرته أن يجاري تيارات الحياة حتى يرسو في عمق المغفرة؟! ويعود مطمئن التدفق، منساب الرضا؟! أم بمواجهة موج الكبرياء بأشرعة الجرح النازف من عمق إخلاص نبضه؟! وتغير دفة القلب نحو ذاكرة النسيان؟! لا أعرف موطنا في النسيان قد حمل حبا صادقا.

– هل يمكن توحيد معيار لصدق الحب في علاقة ما بطردية علاقته مع سعة الغفران؟! أم بعكسيته مع عمق الجرح؟!

أحيانا نغفر لأشخاص نكرههم ليس حكمة في هذا القرار ولكن ثقل الشعور بكرههم أعظم نناديهم في النهايات ونصافحهم اذهبوا فأنتم الطلقاء ….. أحيانا لا نغفر لأننا نحب وأحيانا أخرى لا نعرف معنى الغفران إلا بمن نحب.

كل. علاقة لها بداية مختلفة ثم ظروف مختلفة وشخصان مختلفان لهما قاعدتهما الخاصة ….. التوحيد في شكل معين لنهاية حب غير ممكن .. و مستحيل …
في الحب قل لي من تحب أقل لك من هو .

ودائماً في الحب تذكر ماقاله سعيد ناشيد: “لقد وجد الحب لنفقد عقولنا”، وهذا كل مافي الأمر ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *