خربشة ومغزى

“الآداب والروايات الهندوسية والرامينا”

أحمد بن عبدالله الحسين

هذا المقال
هو إطلالة وومض تثاقُف لإرث الآداب والروايات، وما تسمى قصائد الرامينا في الهند، هو تاريخ ينطوي أيضاً على مجهولات هائلة تمس عقائد وأساطير اكتنفت مخيلات هذه الشعوب وما ارتضته من تعبد فيها.
طرح كهذا هو لتقريب القارئ عن أمة لها حضور تاريخي تجذر مع الطبيعة والأعراق والتفاوت المجتمعي، لا هدف في هذا المقال لمقاربات أو بناء جدلية نقدية لما هم يعتقدون أو يتوارثون، أو يبتعدون عنا أو يقتربون؛ لأن هذا بحث منفصل تفصيلة يطول.

ديار الهند
ثاني أكبر سكان دولة في العالم، وتشكل أقل بقليل من 18% لما في المعمورة ، غالب الهند من الهندوس، وكذلك فيهم تنوع ديانات وأعراق، والمسلمون المكون الثاني السكاني؛ حيث لعب دورا وأثرا تاريخيا امتد فيه حكمهم لقرون، وأكسب الهند تراثا ثقافيا معروف إلى يومنا.

الهند
يسميها بعض المؤرخين زبدة العوالم، لأنها ساحرة بمناظرها وأجوائها ومسايل أنهارها وكثرة أمطارها ومدرارها . جبالها الشاهقة الجبارة “الهمالايا” تلتف حولها كنطاق أبدي من الثلوج، وبحار ذات أمواج مُزْبِدة تلطم سواحلها الشاسعة. مدنها تتراخى مع الزمن واسعة سعة عواصم أوروبا، ومعابدها حافلة بأسرار وداخلة أعماق الجبال ومشتملة على ألوف الأصنام الحجرية.

الهند
أكثر البلاد انغلاقاً وأصعبها انفتاحاً وتجد الآثار الدينية والفنية والأدبية ما يبلُغ قِدٓم بعضه نحو ثلاثة آلاف سنة. الهند تمثلت لخيال الأمم أرضاً لكل عجيب فكانت عُرضة للمغازي الأجنبية منذ القديم، وكان الأجنبي إذا ما دخلها استغلها وتنعم بخيراتها.

تعتبر الآداب الهندوسية
مثل نهر يشتمل ترابه على شذور من التبّر؛ إذ يجب على من يرغب في استخراج بعض هذه الشذور أن يجمع إليه عدة أمتار مكعبة من هذا الطين بعدها تجلوا له مدى اتساع تلك الآثار والتي نذكر منها إيجازا ما يلي:

النشائد والأشعار الدينية
وأشهرها ما تعرف “بالويدا” التي ظهرت قبل المسيح بألف سنة، ولم تفتأ تُصحح في أكثر من ستة قرون، وكانت قبل تدوينها كدائرة معارف مشتركة ينقحها الناشرون ويكملونها في كل استنساخ. تحتوي الويدا على آلاف الأدعية التي توجه للإله “اندرا” وإله النار “أغْنِى” والآلهة الأخرى للشمس والطبيعة والسحب، مثلاً أنشودة إندرا الويديه وَهذا جزء منها:
” اندرا هو الإله الجليل الذي يأمر الأغنياء والفقراء بالصلاة، هو الذي يستغيث به الكاهن في أدعيته والشعر في نشائده “.
وأنشودة الفجر الويديه تقول في بعضها:
” الفجر هو الترجمان المنيّر للكلام المقدس
الفجر ينشر حُلِيّه ليفتح لنا أبواب النهار “>

أما أنشودة الشمس فتقول في بعض جملها “أشعة النور تُظهر العالم فتُنبئ بالإله الذي يعلم كل شئ، تُنبئ بالشمس التي إذا ما بدت توارت النجوم كاللصوص وتبدّد ظلام الليل،أشعة الشمس كالنار تسلم على جميع المخلوقات “.

القصائد الهندية
هناك ما يُدعى القصائد الهندوسية الحماسية ومنها؛ قصائد المهابهاراتا، والتي تعد من أضخم آثارالهند الأدبية القديمة، وهي تشتمل على 215000 بيت شعر تضمها خمسة عشر مجلدا عاديا يبلغ مجموع صفحاتها 75000 صفحة.

وتعد المهابهاراتا من عمل القرون لا من عمل رجل واحد، وتُقدر المدة التي انقضت بين وضع نصها الأصلي وآخر تصحيح فيها ألف سنة.

وللمهابهارتا
عظيم أهمية لدى الهندوس فقد قيل حسب اعتقاد الهندوس: إن كُتب الويدا الأربعة إذا وضعت في كفة ميزان والمهابهاراتا في الكفة الأخرى أمام الآلهة مجتمعة ترجح كفة المهابهاراتا، وكذلك الهندوس يؤمنون بأن قراءتها تمحو الذنوب وهي مقدسة عندهم كتقديس النصارى للكتاب المقدس أو المسلمين للقرآن.

الرامينا
لها أهمية مثل قصائد المهابهاراتا وتشكل الرامينا معها ديوانان حماسيان؛ بل إذا أضيف اليها كتب الويدا فممكن القول إن هذه الأربعة مجتمعة أعظم ما في الآداب الهندوسية.

والرامينا
مع أنها كتبت قبل ميلاد المسيح بعدة قرون إلا أنها أحدث من المهابهاراتا، وتشتمل على 48000 بيت من الشعر ويعتقد الهندوس أن آلهة وشنو هو واضعها.

تقوم الرامينا
على خبر الحروب التي أوقد نارها راما ليستردَّ زوجته سيتا الحسناء التي اختطفها الشيطان روانا ملك ألجنِّ الاشرار بحزيرة لنكا (سيلان) والمعروفين بالراك شسا.

وراما
في التراث الهندوسي هو أحد أبطال المهابهاراتا، وهو إلهٌ في صورة إنسان أو إنسان تجسد فيه “وشنو” ويتألف أعوانه في الحروب من القردة والنسور، وتجري الأحداث في الحروب في عالم خيالي ويدور مغزاها العام حول الصراع بين الخير والشر.

سيتا
زوجة راما تعلن عن حبُّها فتقول :
” أقسم بحبك وبحياتك إنني لا أرغب في سُكنى السماء بعيدة منك، فأنت مولاى وأنت سيدي وأنت دليلي سأذهب معك، أراك تريد دخول هذه الغابات الكثيفة الوعرة فأسير أمامك لأُحطم تحت قدمي العشب الناهض والعوسج الشائك، فاشق لك طريقا فالزوج هو القَّوام على المرأة الصالحة “.

الروايات الهندوسية
منها ما كُتب نظماً، وأُخرى كُتبت نثراً، ولغة الروايات تختلف باختلاف مُمثيلها فأما أبناء الطوائف العليا فيتكلمون فيها بالسنسكريتيه، وأبناء الطوائف الدنيا فيتكلمون فيها باللغة الپراكرتية.

والروايات الهندية
يكثر فيها خوارق العادة على الدوام وفيها تظهرالآلهة ظهورا مستمرا، وفيها تتزوج الإلآهات بالآدميين، وفيها تَحُلُّ الآلهة المعضلات عندما تتعقد. يغلب على الروايات الهندية البساطة وموضوعها إنساني مؤثر، وأبطالها بعيدون عن التَّعَمّل، والكلام فيها موجز، وتكاد تخلو من التعسف والمجاز، وتمتزج فيها فصول عاطفية رائعة.

ومن الروايات التراثية
التي كُتبت في أوائل التاريخ الميلادي رواية “عربة الصَّلْصال” التي ألفها “شودراكا” ، أحد ملوك الهند، وهي أقدم مسرحية هندية معروفة للباحثين، وتعتبر من أمتع ما جاء من الهند فهي مزيج من الغناء والفكاهة وبها بعض التشكك بالآلهة، يتناول الملك شودراكا موضوع المرأة في روايته المسرحية هذه ذاكراً الحوار التالي:
“إن المرأة إذا ما بذلت لها المال ابتسمت أو بكت، إن النساء متقلبات الأهواء كموج المحيط، إنهن يرتمين بميل شديد على الرجل الذي يعطيهن مالاً وما زلن يعتصرن ماله اعتصارهن لعصارة النبات المليء ثم ينبذنه نبذاً”.

أما “كالي داسا”
فهو كاتب ملحمي مسرحي عاش في القرن السادس من الميلاد انتشرت أشعاره وظلت محفوظة في الوجدان الشعبي الهندي.

الموسيقي الانكليزي
كوستاف هولست تُوفي 1934م استهلم هذا الأثر الشعري الساحر لكالي داسا في روايته “رسول السحاب”، وقدمه كعمل موسيقي تتوهج فيع العوالم الشعرية .

الهند
في موروثها الهندوسي يرتسم بين جناحي التعلق والاحتفاء بإطاره الثقافي الشعبي، وبين غلو في آحايين يعلوه استفراد وتمايز عن باقي مكونات مجتمعية، لها تجذرها وحضورها وأثارها، والتي اكسبت الهند مراقي، أسهم فيها كذلك حكايات قصور ومدونات بنتها سلالات مسلمة خلال اعتلائها قرون صنعت فيها قيمة مضافة لهذا البلد القارة.

وختاما
الآداب والروايات الهندية التراثية والملحمية ترجمت إلى لغات عالمية خصوصا الإنكليزية والفرنسية، أرشفتها المكتبات والبحوث وتناقلت بعضها سيناريوهات صناعة الأفلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *