خربشة ومغزى

” الإرهاب والتَحْرِيض .. وخلط المفاهيم “

أحمد بن عبدالله الحسين

الإرهاب
كلمة مثيرة للجدل تتعدد معانيها وتتجاذبها الدلالة اللغوية
والأطر الثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية.
وللاختصار فإن الإرهاب يشتق من فعل أرهَبَ يعني خوَّف
وفزَّع، ويستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديا،
فيقال: ترهب فلانا بمعنى توعده وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه
ومعناه أخافَه وفزَّعه.
والإرهابي من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة أفكاره أو سلطته
وتحقيق أهدافه.
والإرهاب كذلك هو أحداث رعب بأعمال عنف كالقتل
والتخريب وغيرها.

أما التَحْرِيض
فأحد معانيه أنه فعل سلبي لإثارة الآخر بغية النيل منه
بمبررات وأدوات لتحقيق مراد التحريض، وبالطبع يكون في
بعض الأحايين رافدا للإرهاب.

الإنسان
في فطرتة الأولى اجتماعي الطبع سلمي التفكير، وهو
الذي احتضنته عواطف أمه التي رضع منها حنان الإنسان
حتى يشب ويكبر، حينها تتدافع فيه قوى الخير والشر؛
لتكوّن منه نافعا أو ضارا.
وينحرف الإنسان عن فطرته بعوامل عدة ليصبح ضارا،
أحد هذه العوامل مؤثرات البيئة السلبية الحانقة التي
تتبنى شيطنة تصورات عن الاخر وتجعله عدوا دونما تمييز .

عصرنا
تكاثرت فيه حوادث الإرهاب والتحريض، ضحاياه أبرياء،
تنوعت عرقياتهم ودياناتهم وبلدانهم مما تأباه الإنسانية
وتجرمه القوانين والقيم الدينية .

الإرهاب والتحريض
يذكيهما اعوجاج أيدلوجيا أو فهم اختلطت أوراقه أو تبني
تُرسم أدواته وأهدافه عند صانعيه ومسيسيه لإذكاء العدوات
والكراهية، ويتسارع نشر الإرهاب والتحريض إذا فعله
المنظرون والساسة والنُخب وحاملو الغلو القومي العرقي،
وكذلك ما تسكبه بعض أدوات الاعلام ومنصات التواصل
الاجتماعي بأنواعها،هدفها إِثارة التحريض للإرهاب بالنعرات
وإحياء الثارات والكراهيات، تتبارى فيها أقلام ومتقولون.

حواضن الكراهية
لا ترى إلا بمنظار الغلو، ولا تقيس إلا بمقاسها، هذا النوع من
البشر هم غلاة، متطرفون، متحللون، لا يبالون بقيم أو دماء بشر.
هؤلاء وهم مقصد الحديث صُنّاع الكراهية، هم محرضون انتشروا
في واسع جغرافية العالم ينتمون إلى بعض إثنيات وطوائف متنوعة.
أحيانا يتبنوا غطاء مفهوم الحريات لفعل الأفاعيل والشنائع ومنها
إظهار التفوق وتقزيم رموز الديانات وإهانة القوميات، وهذا يهيئ
فرص الاختطاف للغلاة في الديانات والإثنيات.
وقد يلتقي هدف الكراهية والتحريض مع جوهر سياسات كيدية،
لها أغراضها ينتهزها ثعالبية متنفذون ليجلبوا فرص كسب جماهير
انتخابات أو يموهون دعائيا لغسيل آثام تم فعلها وبلغت ذروتها
بحق شعوبهم.

أفعال التحريض
والإرهاب الذي يكون باتجاهين يُغذيه غلٌّ تجذر في العقل، كغليان
ماء إذا استعر، وعداوة متاصلة تغلغلت بالقلب فيه كراهية، تصاحبها
رغبة انتقام وإنهاء الآخر من الوجود.

الإرهاب والتحريض
فيه تَّشَفِّي وغبطة سرور يشعرها فاعل الإرهاب والتحريض نِكَايَةً،
وكَأَنَّهُ يَأْخُذُ ثَأْرَهُ مِمن رصدهم أعداء وهو انحطاط في الآدمية وانعدام
الرحمة والإنسانية، لا يوافقه العقلاء ولا تبرره الأديان ولا يرضاه سَوَيّ التفكير.

مجزرة نيوزلاندا
هي بمثل هذا الإرهاب الموصوف، أخذ أرواح متطهرة في مكان آمن
تؤدى فيه شعائر وتعبُّد للخالق، المجزرة التي حدثت آذت كل ضمير
وكشفت عن حقد دفين.
طالما خلقت اختبارا حقيقيا لكثير من البلدان وخصوصا الغربية
التي يكثر فيها المهاجرون وتتنامى فيها بعض الأحزاب اليمينية والدعوات
العنصرية التي تستهدف الإثنيات والأقليات والمساجد والمعابد.
هذا الاستهداف تسهم فيه البيئات السلبية التي يغيب فيها حماية القانون
أو سياسات التعامل التي يحرضها المتنفذون في الدولة، أو بعض البيئات
التي يختطفها الغلاة والمحرضون داخل منظومات مجتمع الأقليات.
وهذا بلا شك مرتع تنمو فيها الأفكار والامتدادات للغلو.

فرنسا أيامنا
وقعت في بعض ما تصرفت وجانبت فيه الحكمة حينما استظلت بمفهوم
الحرية، الذي طال بجدليتة لمن أراد حوكمتها بالمنطق، أن مفهوم الحرية
الفرنسية في واقعها عند المحللين، انتقائية لا تمارس بشموليتها عديد
مسائل سواء في الزمن القَديم او الحديث يعرفها القاصي والداني.
هذا النهج ولَّد خلط الأوراق ووظفت إسقاطاته بعيداً؛ حتى لتعود الذاكرة
بما هو في إرثهم التاريخي الاستعماري.
وساعد على الفهم عند فِئات من الناس حتى وإن كان الساسة لا يريدون
ذلك؛ لوصف الأفعال والتصريحات الرسمية بأنها وِلَّدت انطباع التخلي عن
مرتكزات الأسس التي ذاع صيتها في الثقافة الفرنسية الدارجة وهي
“حرية، مساواة، أخوة،وبالفرنسية تُكتب Liberté, égalité, fraternité ”
تلك المفردات تمخضت عن الثورة الفرنسية وكسبت رسميتها أواخر القرن
التاسع عشر.
وبالمقابل تجدر الإشارة عند أي عاقل أو حكيم ، أن قطع الرؤوس كما في هو
موروث بعض المستعمرين والاحتفاظ بجماجمهم وفرنسا في استعمارها
فعلت ذلك ، ومثله ما يفعله الغلاة أيامنا من أنفسهم ومن اي فئه كانوا دونما
قانون لقصاص وتشريع استوفى شرائط التقاضي ، هو جرم تخطى الآدمية
والإنسانية.
الإنسان مهما بشعت أفعاله وتصرفاته وتحريضاته لا بد أن يحاكم بمنظومة
القوانين والتقاضي .

الإرهاب والتحريض
يكشف كذلك الأشخاص والمجموعات والدول التي تقف تضامنا وتعاطفا مع
روح السلم وتجنب المس بمقدسات الشعوب، ولا يرضون التحريض والعدوات
من أي طرف كان وينادون بوضوح ضد الإرهابيين والمحرضين.

التاريخ
يسجل كل ذلك وتحمله ذاكرة الأجيال، وبخاصة سوَءَات الإرهاب والتحريض؛
لذا نجد التاريخ الماضي أحاط تفصيلا بحدث جلل ذِكرهُ هنا للاعتبار لا للثأر
والتكرار إرهاب إيزابيلا التي تُعد من أشرار النساء وهي ملكة قشتاله
حينما استولت عليها 1474م، يذكرها التاريخ – في تنوع مصادره وتعدد رواته
شرقيين وغربيين – أنها تحمل غلا وكراهية للعرب والمسلمين ولم يسلم
منها حتى الآخرون الذين هم على غير مذهبها،ساند إيزابيلا بابوات ورثوا
حَنَق القرون الوسطى ولطخوا رمزيتهم وذهبوا بعيدا عن تعاليم التسامح
وجوهر رسالة المسيح التي يحملونها.

إيزابيلا
أسست في أراضي حكمها محاكم التحقيقات، وهذا معُروف في التاريخ،
وتُعد المحاكم هذه الأبشع في التطهير العرقي والديني آنذاك.

محاكم التحقيقات
تم بها إذكاء روح البغضاء والكراهية وتسويغ البطش وتسميم الأنفس
والعلاقات بين شعوب العالم القديم آنذاك حتى جعل الرواة في التاريخ
لا يفرقون بين إيزبيلا وجنودها في القرن الخامس والسادس عشر
ميلادي في فعلها ببلاد الأندلس، وبين حملاتها التي مكنتها من
شعوب المحيط الهندي والمكسيك، وما حدث من سلوك الحملة
الصليبية الأولى من قتل وتدمير في نهاية القرن الحادي عشر
ميلادي في بلاد العرب والمسلمين، وللمعلومية فإن هنالك من
مسيحيِّ المشرق العرب وغيرهم عانوا من الحملات الصليبية،
وهؤلاء أصلاء ضمن نسيج المجتمع العربي الإسلامي.

العالم العربي والإسلامي
لم تسلم بعض بلدانه من أعمال إرهاب وتحريض بالغة الأسى
والتنكيل ضمن نسيجه الاجتماعي، تذكيها أحيانا الطائفية والعرقية
أو أهداف تخدم أجندات خارجية لبلدان لها أطماع توسعية تمتطي
مجموعات تنتمي ولاءا واحتماءا بها.
الغلاة المتطرفون من المسلمين طال آذاهم ديارهم وكذلك بلدان
أخرى حيث شوهوا مفاهيم الإسلام وأعطوا فرصة للتعميم يُطال
جموع المسلمين اتخذه المناوئون ذريعة لأهدافهم.

أخيرا
تجاه هذا الإرهاب والتحريض لا بد من قوانين أممية ملزمة،يقف العالم
مجمعا عليها تُجرم التحريض والكراهية بين الأمم والشعوب،
وتنادي بالعدل والتعايش والتسامح والتبادل الثقافي؛ ليسود السلم
الاجتماعي العالمي باحترام الأديان والأعراق والألوان وحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *