الرأي

ماذا لو عاد أبناء عثمان؟.. (2)

أسماء العبداللطيف

كاتبة سعودية،مدربة معتمدة في القراءة

مضى الحلاق يكتب لنا ما ينفض عن أعيننا ما كان بأعيننا من التاريخ ، القصة ها هنا في أوراقي ومن دكاني لمن يأتي بعدنا شاهد على عصرنا …
دخلت سنة 1156 على الحلاق وأهل ذلك الزمان بغرائبها وعجائبها بما أحبوه فيها وما كرهوه …

بدأ الحلاق يكتب عنها كسنة تحمل الغلاء في مأكلهم ومشربهم وملبسهم، كغمة يرجون من الله كشفها …. سنة اشتد بها جوع العرب وقهرهم …
كتب ../ (وقد هلّ هذا العام الجديد ورطل الخبز الشامي بأربع مصاري وخمسة.. ورطل الأرز بثمانية مصاري ..الخ

ولكن الخزان ما أبقى للفقراء قمصان … وهذا الغلاء ماسمعنا بمثله أبداً وقد طال المطال والناس منتظرة للفرج من الملك المتعال …!

وفي أوائل شهر صفر الخير، جاء خبر عن الحج الشريف بأنه غرق في الحسا، وذهب على ما قيل مقدار نصف الحاج من نخيل وجمال وبغال، ومن رجال ونساء وأموال وأحمال، وقد غرق لأحد التجار سبعة عشر حملا، كل حمل لا يقاوم بثمن . فاستغاثوا بحضرة سليمان باشا العظم والي الشام وأمير الحاج . وقالوا : نحن (نهب لك مالنا وخذه أنت ولا تتركه للعرب) فحالاً نهض وأخذ معه جماعة وقد خاطر هو وجماعته ثم غاب يوما وليلة بعدما جدوا في طلبه .

فإذا هو قادم ومعه الأحمال لم تنقص ولا ذرة ثم ناداهم وسلمهم إلى أصحابها ولم يدنس حجه بشيء ) ..

مضى الحلاق يكتب على أحوال الحج تلك وما أصابهم من سيول و ارتفاع عظيم في الأكل والشرب …يكتب ..( وكانت ثلاثة تمرات بمصرية ! وهذا شيء ما سمع به من قديم الزمان، وكانت دمشق أشد غلاًء من غيرها …حتى مد الملح وصل من ثمان إلى ثلاثين مصرية !!! والحكام يخزنون وأهل البلد يفعلون كفعلهم والى الله المصير …)
وبينما كان الحلاق وأهل الشام والعرب عامة يعدون التمر بحسرة ويكيلون الملح بحرقة، كان والي الشام في حياة أخرى يكتب عنها الحلاق ويقول:

(وفي غرة ربيع الأول من هذه السنة شرع حضرة والي دمشق الشام، سليمان باشا العظم في فرح لأجل ختان ولده العزيز أحمد بك، وكان في الجنينة التي في محلة العمارة، وجمع فيها سائر الملاعب وأرباب الغناء من اليهود والنصارى واجتمع فيها الأعيان والأكابر من الأفندية و الأغوات مالا يحصى، وأطلق الحرية لأجل الملاعب يلعبون بما شاؤوا من رقص وخلاعة وغير ذلك، ولا زالوا على هذه الحال سبعة أيام بلياليها، وبعد ذلك أمر بالزينة فتزينت أسواق الشام سبعة أيام بإيقاد الشموع والقناديل، زينة ما سمع بمثلها . وعمل موكب ركب فيه الأغوات والشربجية والأكابر والانكشارية . وثاني يوم طهر ولده أحمد بك .وأمر أن يطهر من أولاد الفقراء ممن أراد ..فصارت الناس تقبل بأولادهم، وكلما طهر ولد أعطوه بدله و ذهبين .

وبعد هذا الفرح العظيم عمل فتحي أفندي الدفتري فرحاً عظيماً بهذا الشهر، أعني به ربيع الأول زوج ابنته، وكان فرحاّ عظيما ما عمل بدمشق نظيره ولا بلغ أحدا أنه عمل مثله، وكان سبعة أيام كل يوم خصه بجماعة فاليوم الأول خصه بحضرة والي الشام سليمان باشا العظم واليوم الثاني إلى الموالي و الأمراء واليوم الثالث للمشايخ والعلماء واليوم الرابع التجار والمتسببين واليوم الخامس للنصارى واليهود واليوم السادس للفلاحين واليوم السابع إلى المغاني والمومسات وقد تكرم عليهم كرماً زائدا ويعطيهم الذهب والفضة بلا حساب ..!!

يعود بعدها الحلاق لحال وأحوال العامة .. يكتب (وفي يوم السبت الثامن والعشرين من جمادى الأول قامت العامة وهجمت على المحكمة و طردوا القاضي ونهبوا الأفران، وسبب ذلك كثرة الغلاء والازدحام على الأفران، وقلة التفتيش على صاحب القمح والطحان والخزان . فتلافى الوالي سليمان باشا الأمر، وأرسل يشدد على الطحانة و الخبازة ويهددهم ويخوفهم فحالاً وجد الخبز وتحسن وكسد بعدما كانت غالب الناس تبات بلا خبز فابتهلت الناس بالدعاء لحضرته).

لم تنته هذه السنه هنا بل كانت تحمل الأحداث الكاشفة والتقلبات والصراعات نبقي بعض منها في المقالة القادمة بإذن الله …ولكن عليك أن تسأل نفسك: هل كان الأتراك يعدون التمرات كالعرب وقتها ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *