الرأي

رحيلك (أبا القاسم) جاء لي باليتم من جديد!

حزني على أخي (أبا القاسم) مغايراً تماماً لانه يحمل صدقاً حقيقياً في المشاعر، يندر أن يحصل في أي حزن أو رثاء أخر، لقد دفنته بدي وساويت ضريحه بحنو، مرثاتي هذه تحمل في ثناياها ضرباً عميقاً من الفقد، لا على الفقيد فحسب على الرغم من صدق الفقد ومرارة الرحيل، بل لأن رحيله جاء لي باليتم من جديد الذي بدأ عصفه يهز كياني، لقد بذل لنا الكثير وأعطى وأجزل وتعب، كان لأسرتنا الكبيرة الأخ والأب والظل والمعين، عند رحيله صرت كما يغرد في الفلاة وحيداً، محاولاً أن أطفئ جذوة اللهيب التي بداخلي.

ثمة حزن يخالجني ويقبع في قلبي وبين ظلوعي لا أستطيع الانفكاك منه برهة واحدة، أحاول تدريب روحي على فقده، وعلى اعتياد رحيله، كما لو أنه طقس نوم وصحو، أو جرح عتيق غائر تحاذر أن أنكأه، أنطويت على ما كنت أوقدته من وجد، كما ينطوي جبل قديم على صخره وترابه، دائماً إذ لم أجد ما أؤخيه، آخي نفسي وأدعو أن لا تخذلني، أنا بعده مثل عازف غريب يبحث عن جمهور غريب، أحتضن الليل قصيدة لا تنام، أحاول أن تقبل الحياةحلمي، لكن قلبي يرتعش، في مخيلتي أشياء جدائلها طويلة، أنا في ديمومة تعويضية هائمة لها شكل الإنفصال، حائر تقاسمني العزلة، الموجودات التي أتعامل معها هذه الأيام تجلب لي الوحدة، وتجعلها شريكة لي، أحاول الانشغال مع الذات حصرياً، قوة الاستقطاب لدي تعادل قوة الخسارة، استقطابي خاسر شامل وفاعل، تعودت التفكير وحيداً.

تعودت الألم الذي يصل بي حد المأساة، أصل في مخيلتي دائماً إلى نقطة اللاتعويض النهائي، صرت كالمغناطيس يجذب العناصر المتآخية لذاته من الحزن، الوحدة والخسارة والفقد تغطي على روحي وعظمي وهيكلي، تسودني حالة الإنكسار حتى في حيازة اللذة، أحاول أن أستسلم للفرح، لكنه يهجرني بقسوة، الفرح معي غير عادل، وسلبي في عطائه، جربت عدة ذوات وليست ذات واحدة فحسب، وعدة أشياء وليست شيء واحد، الخسارة عندي عظيمة حين يصبح الفقد ركيزة، أملك نفس تراجيديا المتنبي (وحيدٌ مِن الخُلان في كلّ بلدة… إذا عظم المطلوبُ قَلّ المساعدُ) أنا أتوجد المسافة في فقدان الخليل السند، توجدي مضمر مع حلمي المجهض، أحاول طرد الحزن، فيغدو التواصل مع المأساة مرعباً، خسارتي اجتمعت مع المكان الثابت والاستقرار المنسي، لست تشاؤمياً، لكن غياب الأخ دثرني باليتم، حتى اكتسبت وجوده، الوحدة عندي عوز دائماً إلى العزلة، التراب والرماد باهاتان، لكنهما صارا عندي مثل قصيدة جميلة في امرأة حسناء، الخصب عندي تحول إلى جدب والنبات إلى تبن، والحطب إلى رماد، أحاول تحرير الكلام حتى أجعله واضحاً كما في لوحة (الجورنيكا) (لبيكاسو)، الوجوه البشرية وإن تكن مذعورة في اللوحة مع رؤوس الحيوانات تتكلم مقاومةً الصمت وغاية فرضه درء الصمت.

لقد أطلقت سراح كلامي من سياجه الفظيع، وبئره العميقة، لا تسألني بعد عما أنا فيه، لأن يقيني يظل حارساً لنفسي، وكثيراً ما قادني هذا اليقين إلى الباب، أو إلى الطريق إليه، لم أندم، ولم أيئس، كل ما في الأمر إنني سئمت واستوت لدي الأمور وتشابهت، ما من شيء يحضني على الفرح، لكن هناك أشياء كثيرة تغريني نحو تذكر أخي (ابا القاسم) بشكل أبدي، وبحنين ملفت ومغاير.

رد واحد على “رحيلك (أبا القاسم) جاء لي باليتم من جديد!”

  1. يقول فيصل سعود الفاضل:

    رحمك الله يا ابا القاسم / الاخ يصعب ان تجد مكان خاليا / فليس هناك من يحل مكانه و يحاكي شعور الاخ شعور الاخ ذاته )))) سلمت يمناك و عاش القلم )))) يا ابامهند /// الله يحفظك يارمضان ))))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *