الرأي

منهجية “تمهير” تحتاج إلى تمهير!

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

المنهجية أولا!

الحل الجذري للمشكلة والاستدامة مصطلحان مهمان جدا في علم الجودة والتميز المؤسسي، فعند حدوث أي مشكلة في العمل يتم تحليل أسبابها للوصول إلى حل جذري للمشكل والخروج بحلول قصيرة المدى وحلول بعيدة المدى تتضمنها الخطط الاستراتيجية كأهداف للمنظمة بما يضمن الاستدامة في جودة المخرجات والوصول للإبداع والتميز، تلك المنهجية هي النموذج الذي يجب أن تتبعه المنظمات المعتبرة مهما اختلف حجمها سواء كانت تضم 10 موظفين أو مليون موظف، لأنها تقلل الهدر المالي والزمني والبشري وتوجه بوصلة مبادرات ومشاريع المنظمة للاتجاه الصحيح بما يحقق الغايات والأهداف على اختلافها.

تحديات الحلول

عند التمعن بالحلول المطروحة لما يسمى بـ “ضعف مخرجات التعليم” لتلائم سوق العمل في المملكة العربية السعودية، يطفو على السطح العديد من التحديات أولها اتجاه بوصلة الحلول نحو معالجة النتائج وليس الأسباب الجذرية، فجميعها حلول تقوم على العمل في منطقة الأمان والسهولة في التنفيذ دون النظر لتبعات تلك الحلول على المدى البعيد، ابتداء من حلول وزارة التعليم مرورا على حلول وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية “هدف” انتهاء بالمنظمات الدولية ودراساتها، دون وجود نهاية واضحة لنفق ما يسمى ب “ضعف مخرجات التعليم” وملاءمتها لسوق العمل في دول الخليج العربي تحديدا، كما أن تلك الحلول تتسم بضعف التكامل بين الجهات المعنية عند وضعها لأن كل جهة في فلكها تسبح.

مبادرات وزارة التعليم اللا منتهية

ظهر ما يسمى بالسنة التحضيرية لسد الفجوة بين مخرجات دراسة 12 سنة – شاملة اللغة الإنجليزية وغيرها – ومتطلبات سوق العمل!! ليتضح أن السنة التحضيرية فُرغت من هدفها الأساسي – وهو تهيئة الدارسين الجدد في الجامعات للحياة الجامعية وكيفية الدراسة فيها – وليس كما تمخض تفكير واضعي تلك البدعة الدراسية وما تبعها من هدر مادي و زمني من حياة الطلاب، لتختفي تلك السنة بجرة قلم ويتم إقرار إلغاءها في عام 1443هـ، وبعدها تخرج لنا مبادرة تغيير نظام التعليم الثانوي بين ليلة وضحاها ويُقسم المقسم أكثر، وسوف يدخل طلاب المرحلة الثانوية المحتملين نفقا جديدا من القرارات التي تحدد مستقبلهم “وهم وحظهم” ! عدا عن المبادرات التي نعلم والتي لا نعلم عنها.

رعاية على طبق من ذهب

أما الجهة المختصة في توظيف المواطنين وفق حاجة سوق العمل التي يفترض ان تكون المبنية على دراسات وابحاث حالية ومستقبلية، فقد خرجت بحلول عدة يبدو أنها لم تتبع المنهجية الأصيلة التي ذُكرت أعلاه، حيث أنشأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وكالة التوطين التي تهدف إلى خفض نسبة البطالة بين السعوديين – التي ارتفعت مع جائحة COVID 19 بسبب بركات المادة 77 والالتفاف من بعض أرباب العمل في القطاع الخاص بإجبار المواطنين على أخذ إجازة بدون راتب أو تقديم الاستقالة أو تخفيض الراتب – ليصل الرقم إلى 15 % نسبة بطالة السعوديين، وهذا يوضح حجم غياب التخطيط الذي يتطلب وجود إدارة للمخاطر.

أما صندوق الموارد البشرية “هدف” فإن حلوله لا تخرج عن دائرة الدعم المالي للقطاع الخاص لتوظيف السعوديين وذلك بتحمل جزء من رواتبهم عن الجهة التي توظفهم “توطين بطريقة حب الخشوم”، فقد تعددت الطرق والنهاية واحدة حيث استطاع بعض أرباب القطاع الخاص التحايل بتوظيف السعودي لحين انتهاء الدعم المالي ومن ثم استبداله بموظف مدعوم آخر واختفى ما يسمى بالاستدامة والتنمية البشرية، فأي خدمة جليلة قدمها “هدف” للقطاع الخاص، عدا عن أن التدريب الذي يقدمه القطاع الخاص للسعوديين يستفيد منهم باحتسابهم لصالحه ضمن السعودة، يا سلام!

أما فكرة برنامج “تمهير” فهي ليست ببعيدة عن تلك الدائرة، حيث ذكر موقع “هدف” أن برنامج “تمهير” هو للتدريب على رأس العمل موجَّه للخريجين والخريجات السعوديين من الجامعات المحلية والخارجية، ويهدف إلى تدريبهم في المؤسسات الحكومية والشركات المتميزة في القطاع الخاص، ليتمكنوا من اكتساب الخبرات والمهارات اللازمة لإعدادهم وتهيئتهم للمشاركة في سوق العمل!! هدية أخرى مقدمة على طبق من ذهب للقطاع الخاص ليستمر في تمهير المواطنين دون أي التزام بتوظيفهم أو إلزام المتدرب باستكمال مدة برنامج التدريب؟! ليتحول الهدف من تدريب منتهي بالتوظيف إلى تدريب يوفر مصروفات على القطاع الخاص حيث تكفل “هدف” بدفع مكافأة شهرية وفق شروط معينة للمتدربين، أما القطاع الحكومي – وفق بعض المتدربين – يعتبرون عبئا ثقيلا لغياب خطة واضحة لتدريبهم إضافة لغياب الإرشاد والتوجيه أوإسناد مهام عمل لهم، وهذا مؤشر على أن منهجية “تمهير” تحتاج إلى تمهير.

المواجهة هي الحل!

إن استمرار أزمة ضعف مخرجات التعليم وعدم ملاءمتها لسوق العمل في ملف التعليم كحجة مستمرة لخلق مشاريع إصلاح نظام التعليم، وكشماعة يعلق عليها ملف التوطين تباطؤ الحلول، والاتجاه الخاطئ للبوصلة في الحلول المقدمة، تعتبر جريمة لا تغتفر في حق ثروتنا البشرية السعودية، إن إخفاقات الجهات المعنية في معالجة التحديات وإضاعتها للاتجاه الصحيح للبوصلة لا يكون على حساب سمعة الثروة البشرية السعودية وكفاءاتها وقدراتها ومهاراتها، إن ما يحدث هو هدر لأهم ثروة على هذه الأرض تعدل في أهميتها وتزيد على الثروات الطبيعية الموجودة على هذه الأرض الطاهرة.

لست بصدد طرح حلول لوزارات تعج بعدد هائل من مستشارين – مستقطبين تحت مسمى كفاءات “سعودية” نادرة لا أعلم من أي مخرجات تعليم هم – حيث يمكنهم أن يقدموا المشورة للجهات المنفذة باتباع أبجديات منهجية حل المشكلات دون المغامرة بمستقبل أبنائنا ودون أن تتضخم جيوب بعض تجارنا الأعزاء ودون أن يُغرق السوق بالمزيد من الوافدين ذوي المهارات “اللي على قدهم” والذين يتدربون في السعودية كأكبر معهد تدريب عالمي ومركز توظيف لهم تهيؤهم ليكونوا جاهزين للهجرة للدول المتقدمة ذات المخرجات الرائعة في التعليم الملائمة لسوق العمل العالمي ، علما أنه من المفترض أن من يحصل على تلك الفرص هم أبناء السعودية ليكملوا مسيرة أجدادهم في بنائها.

ختاما: كيف لنا أن نطلب أو نغري المستثمرين الأجانب لتوظيف أبناءنا وهناك من يقول عنهم ويوثق ذلك في قراراته بما معناه أن قيمتهم السوقية في ميزان الثروة البشرية عالميا “ضعيف”!

وإن صحت حجتهم فكل ما يتطلبه الوضع فتح ملفات المبادرات والمشاريع التعليمية وتنمية الموارد البشرية من قبل هيئة مكافحة الفساد لمحاسبة المتسببين في هذه الكارثة إن وجدت!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *