الرأي

اصنع لنفسك لقباً

محمد عبدالله الفريح

مدير إدارة النشر والترجمة - شركة العبيكان للتعليم

جاء في كتاب (تهذيب التهذيب) للحافظ أحمد بن علي بن محمد الكناني المكنى بابن حجر العسقلاني (10/ 114-115) في ترجمة (مسعر بن كدام الكوفي):

أحد الأعلام الثقات، المتوفى سنة (153)، “قال شعبة: كنا نسمي مسعرًا: المصحف”. لقلة خطئه، وحفظه، وقال ابن أبي حاتم: “سألت أبي عن مسعر إذا خالفه الثوري؟ فقال: الحكم لمسعر، فإنه المصحف”. وقال عبدالله بن داود: “كان مسعر يسمى المصحف”.

وفي (تذكرة الحفاظ) (1/ 188 رقم183) قال شعبة: “كنا نسمي مسعرًا المصحف من إتقانه”.

تعجبت جدًّا وأنا أقرأ هذه السيرة العطرة لهذا التابعي الجليل، وكيف التصق به هذا اللقب العجيب، وتأكيد كُتَّاب السير على تواتر تعارف الناس على هذه الشخصية بهذا اللقب، الذي أطلقه الناس عليه، ولم يطلقه هو على نفسه، كل ما قام به هو الإتقان والحفظ، وتكريس وقته وجهده لهما، وتكفل الناس بالباقي.

عند قراءتك لكتب الكنى والألقاب والأعلام ستتعجب جدًّا من تكنية هذا بأبي المساكين؛ لكثرة إنفاقه عليهم. وآخر بأبي اليتامى؛ لكفالته لعدد لا يحصى منهم. وثالث بالبحر؛ لغزارة علمه وفقهه. ورابع بعقار؛ لكثرة ما يعقر من الإبل لضيوفه. وخامس بالجغرافي؛ لكثرة ما يحفظ من الأماكن والأودية والجبال وطرق السفر. والأعجب من هذا كله أن من يطلق عليهم ذلك، هم أناس آخرون، ربما يأتون بعد الملقب بزمن ليس بقصير، وكأن التاريخ يخبرنا بالتركيز على ما نتقنه ونعرفه، ونحسن الخوض فيه، ونركز عليه. وأن بناء المجد والصيت وحسن العاقبة، لا يحتاج سوى النية الصادقة والعمل الدؤوب والتركيز الدائم.

يذكرنا الحق تبارك وتعالى في كتابة الكريم بهذا الأمر في معرض كلامه عن امرأة عمران، عندما نذرت ما في بطنها محررًا بقوله تعالى:

(فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنًا).

كما أتذكر في هذا المقام مقولة الأديب والكاتب المسرحي والشاعر الإنجليزي وليام شكسبير:

أعطاك الله وجهًا، وأنت تصنع لنفسك اَخر.

أسال المولى جلت قدرته أن يتقبل أعمالنا، ويرزقنا الإخلاص فيها، وينبتها النبات الحسن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *