الرأي , خربشة ومغزى

“الحرف والكلمة”

أحمد عبدالله الحسين

كاتب مهتم بالتاريخ والادب ومحاور علم الأنثروبولجيا

الحَرْفُ هو الأَداة التي تسمى الرابِطةَ
لأَنها تَرْبُطُ الاسمَ بالاسم والفعلَ بالفعل
كمثل عن وعلى ونحوهما
والحرف هو الذي يبني الكلمة
ويفرق معناها عن غيرها
وكذلك يأتي
معنى الحرْفُ طَرفُ وشفِيرهُ وحَدُّه
ولهذا إذا قيل حَرْفُ الجبل
يعني أَعْلاه الـمُحدَّدُ

ومعنى آخر إذا قيل
حرْفُ الشي يقصد ناحِيَتُه
ومنها قول
فلان على حَرْف من أَمْره
أَي ناحية منه كأَنه ينتظر ويتوقَّعُ
فإن رأَى من ناحية ما يُحِبُّ
وإلا مال إلى غيرها
ومنها إذا وصف الإنسان أنه على حَرْف
أَي أنه على شَكّ

أما الكلمة
وجمعها كلمات وكَلِم
فهي اللفط المدرك سواء بالسمع
أو مدرك بالبصر
والكلمات المنظومة تفيد بتوصيل
الكلام ومعناه

لهذا الحرف والكلمة
لهما سلطان وأثر
والدراية بأهميتهما ذا قيمة
على أفهام البشر
الأحرف والكلمات باختلاف الألسن
هي أداة تواصل
ويتم عبرهما التبادل والتراسل

الحرف
إما يقرب الصلة ويزيد
أو يُحدث جفوة وتبعيد
وإذا أظهر الحرف ما يعيب
أو كشف مخبئ علن وترويج
يكون الحرف مقص
ويحدث جرح ويقتص
ليبلغ ألمه للقارئ
والسامع أو الغير قانع
ويمكن كذلك الطامع

الكلمة
بحرها فيه أمواج
وفيها استقامة واعوجاج
إما تدفع صاحبها إلى بر الأمان
وترويه اطمئنان
أو تغرقه بأثرها الفتان

الحرف والكلمة
باب للمعرفة والحرية والسلام
أو الكذب والتدليس ونشر العدوات بين الأنام
والخشية أن غبار الكلام
يوارى الرؤية حيث تختلط الأفهام
فتحبس الأنفاس إذا كثر الملام
ساعتها يعلو الغضب
وتجف الأقلام
مترقبا هدير الكلام
والتوعد والانقسام
والمستقبل المجهول والآلام

الحرف
يهدي الإنسان
حينما يتعلمه ويرتويه
أو يُشيطنه ويؤذيه
وكل هذا يُحار به البشر
حتى النمل والشجر
إذا انحرف صاحب الحرف
مدَّ ظلم وأذى وضرر

البشر
هو صانع الحرف والكلمة
وبهما يبلغ حضارته
ويرسل قيمه ودعوته
والزمان يحفظ كل ذلك
ليبقى نقش أثره
فطوبى لمن عرف الحرف والكلمة
وأولاهما جليل فهمه وقدره
وارتوى من سابق الأزمان
وما توارثته الأمم والأجيال
فاختار أفضل السبل والخِلال

الحرف
به جواهر غالية يشرئب لها نظر
وقلائده تحيط العنق تخطف بصر
الحرف له بريق
والقلم يعشقه إذا كتب ما يليق
وكيف لا إذا نفث مثل هذا الرحيق
كقوله
وإني لتَعرُوني لذكراكِ هزةٌ
لها بين جلدي والعظام دبيبٌ

الكلمة
إذا أردت العناية بها
أو الاجتهاد في تخوِّلها
أو التمكن من فيوضاتها
تكون كمن يقتفي اصطيادها
وكأنك تجد بداية لا نهاية لها
وإذا كانت جزء من كلام هام
تماثل لك حينها حوار مفسوح
لا تدرى متى تأتيك حجته الأخيرة
وهكذا يكون مشهد الحذق في التعبير
ممدود بلا خاتمة
يدفع تشوق للاستماع والارتواء

صنع الكلمة
إذا أردتها لشغف المعرفة
تكون توق استلهام
وتدابير لأحسن الكلام
وما أجمل مراقي حين ترى
أن الكلمة الأخيرة
حين ينطقها أو يكتبها صاحبها
وكأنه يريد قلبها
أو يتموضع على سِرّتها

نودع
الحرف والكلمة
بحكمة توارثها العقلاء وهي؛
وخيرُ الكلامِ قليلُ الحروف
كثيرُ القطوفِ بليغُ الأثر
وكذلك
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ

رد واحد على ““الحرف والكلمة””

  1. يقول راشد:

    مقال رائع ،، للاستاذ احمد بن الحسين

    تطويع جميل للكلمة بأسلوب ادبي فاخر ،، وقليل هم الكُتاب الذين يخدمون الحرف بأسلوب مبهج ومشرق ،، وهذا يدل على ماتختزله موهبة الاستاذ احمد الحسين من جميل معاني اللغة العربية وثقافة واسعة الاطلاع ،، اشكر صحيفة عناوين ورئيس تحريرها على إهداء القراء هذا الكاتب الموهوب الفذ ،، دمتم بود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *