الرأي

الثانوية العامة 2020.. بين حمد و أحمد

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

جاءت جائحة فيروس كورونا (COVID19) على حين غرة، وكانت اختبارا حقيقيا لكل نظريات وعلوم إدارة المخاطر والأزمات وجاهزية خطة ب وخطة ج، وقد نجح من نجح وأخفق من أخفق وأنقذت ورقة التوت البعض ليداري سوءة إدارته فأنقذت ما يمكن إنقاذه، ولست هنا بصدد إصدار أحكام على أداء الأجهزة في جائحة لم تنته بعد ولكن بصدد الحديث عن أبنائنا الطلاب المنتقلون من التعليم العام إلى التعليم العالي وكيفية معالجة وضعهم، حيث أثبتت أن وزارة التعليم – من وجهة نظري – أنها تغرد خارج السرب دوما وتتوه خطواتها عن أهداف الدولة وسياساتها وتتبع خطوات من يقودها أيا يكن – حربا على من لا يستلطفه سلما على من يحبه- حتى أن مصير ملايين الطلاب ومستقبلهم يكون وفق رؤيته وما يعتقده من النظريات التعليمية والمدارس التربوية والإدارية التي يؤمن بها، فذاك يحكم على المرحلة الابتدائية بالأمية اللغوية وهذا يخضعهم لنظريات كتابه الإصلاحي والآخر يرحل عن الوزارة ليعود بنفس العقلية الإدارية وجميعهم يشتركون بالتضحية بكل شيء عدا الكرسي؛ وعلى هذا فقِس ما يحدث في المدارس فكل ربان يغرس في أذهان الطلاب ما يعتقده، والحصيلة تخريج نسبة لا بأس بها من العاطلين والمتشددين والساخطين والمنافقين والملوثين فكريا ونفسيا وكل ما تتخيله بعيدا عن الأهداف الحقيقية التي وضعتها القيادة للتعليم – مع التحفظ على بعض ما جاء في وثيقة سياسة التعليم والتي أتمنى أن تتم مراجعتها لتتماشى مع أهداف رؤية 2030.

لفتني في وسط معمعة التحول للتعلم عن بعد في هذه الجائحة قرار منح المعلمين الحكوميين أجازة ورمي الطالب في يم التعلم عن بعد وتزويده بقنوات تعليمية كطوق نجاة ليجدف مع والديه وحيدين، وأصبح طلاب التعليم العام كل في فلك يسبحون دون مراعاة لطبيعة المراحل الدراسية ومتطلباتها، وكلما سُئلت الوزارة عن الاختبارات ردت متحدثة التعليم العام أن للوزارة خطط ستطبق في حينه، ومن قلب المعمعة ظهرت العناوين الرنانة وورش العمل البراقة التي تمجد نجاح وزارة التعليم في تطبيق التعلم عن بعد قبل أن ينتهي وقبل أن يتم تقييم التجربة ومعرفة آلية تقييم الطلاب وقبل أي شي “نجحت الوزارة”، لتأتي الصدمة التالية وهي ترند يشكر وزير التعليم على قراره بنقل جميع الطلاب للصف الذي يليه دون اختبارات واعتبارهم ناجحين، وهذا نصر إعلامي آخر تم تسجيله قبل أن يتم توزيع تعاميم على المدارس بأن هناك اختبار لطلاب المرحلة الثانوية وإلا سوف يعتبرون مجتازين دون احتساب هذا الفصل في معدلاتهم مما قد يؤثر على فرص قبولهم في التعليم العالي.

لماذا كل هذا الاستعجال من الوزارة لتسجيل نجاحات رنانة لإثبات ما لم يحن إثباته بعد؟ – وهو نجاح تجربة التعلم عن بعد- ما الذي دفعهم لهذا؟ هل الدافع هو عدم توافر فرصة التعلم عن بعد لنسبة من طلاب المدارس خاصة الحكومية منها؟ هل عدم فاعلية بعض الروابط أو إرسالها في وقت متأخر جدا لبعض أولياء الأمور هو السبب؟ أم للتغطية على خطأ إعفاء المعلمين من متابعة الطلاب أثناء التعلم عن مما جعل الجميع في حيص بيص؟ ألم يخطر في أذهان المسؤولين أن طلاب الصف الثالث ثانوي يعتبرون الفصل الدراسي الثاني لعام 2020 مصيري بالنسبة لهم تماما مثل طلاب السنة التحضيرية في الجامعات، لكن الفرق أن الجامعات تعاملت مع طلابها بمهنية عالية وتُرك طلاب الصف الثالث ثانوي لقرار اللحظة الأخيرة.

ثم ماذا! لم يُمهل القدر طلاب الصف الثالث ثانوي بعد أن فاجأهم بالاختبارات – وطارت الطيور بأرزاقها “ترند شكر وورش عمل نجاح” – ليصدَموا بمحاولات هيئة تقويم التعليم والتدريب تسجيل موقف نجاح أو ترند شكر في هذه الجائحة، إذ قررت أن اختباري القدرات والتحصيلي أمر لابد منه، وهو ثمن يدفعه الطلاب مقابل المناورات حامية الوطيس بين الوزير السابق والوزير الحالي للتعليم، فضاع الطلاب بين حمد وأحمد، فها هو متحدث هيئة تقويم التعليم يقول نسقنا مع الجامعات كيفية احتساب اختباري القدارات والتحصيلي لقبول الطلاب في الجامعات، ليصدر بيان من الجامعات التابعة إداريا لوزارة التعليم بنفي الأمر جملة وتفصيلا، وطلاب دفعة 2020 عيونهم تترقب وقلوب أمهاتهم وأباؤهم منهكة جميعهم يتساءلون، هل ستعدي جائحة حرب وزارة التعليم وهيئة تقويمها على خير؟

ومن هذا المنبر أرجو أن تنقذ القيادة الرشيدة ممثلة في والدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تعليمنا وهيئة تقويمه من أن تكونا فريسة سهلة لأجندة من يقودها لتكون بعيدة عن تصفية الحسابات الشخصية والفكرية حتى وإن تطلب الأمر الاستعانة بخبرات رائدة في هذا المجال من دول قادت التعليم فيها لتحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسة دون أن يكون رأس المال البشري عرضة للتجارب والتنظير والتعلم والخطأ، فكل خطأ في سياسات واستراتيجيات التعليم يكلف الدولة أجيالا من أبنائها وسنوات من إزدهارها ولنا في ما مضى عبرة.

أما طلاب المرحلة الثانوية 2020 فأرجو أن يتم اعتبارهم ناجحين وتحتَسب لهم المواد بتقدير “ممتاز”، وأن يقبل طلاب الصف الثالث ثانوي في الجامعات دون قيد أو شرط، فليس ذنبهم ولا ذنب أهاليهم أن التعلم عن بعد كانت تجربة إنقاذ موقف رغم ما صرف عليه و المراكز التي خصصت له، فطالب ثالث ثانوي في هجرة بعيدة لا تتمتع بخدمات إنترنت جيدة ولم يكن لديه من يوجهه ويسهل له عملية التعلم عن بعد لايمكن بحال من الأحوال أن يقارن بطالب في مدرسة أهلية كبرى دُفع لها مبلغ وقدره وتلقى الدروس بشكل يومي من معلميه على منصة تعليمية خاصة راعت جميع معايير التعلم عن بعد، فما مر فيه طلابنا يدخل ضمن الظروف القاهرة، هذا والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *