الرأي

حرب نظيفة!

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

تنويه: إن كنت إعلاميا مهنيا أو مشهورا يقدم محتوى ذا قيمة مضافة فأنت غير معني بهذا المقال.

كان هناك شلة إعلاميين في حقبة مضت يُعتبرون مصدر الخبر والمتحكمين في من يظهر على وسائل الإعلام ومن يجب أن يُلمع في لقاء صحفي أو تلفزيوني، كما كانوا يقررون أي الأخبار يجب أن تتصدر الصفحة الأولى أو يُفرد لها فقرات في برامج تلفزيونية أو إذاعية، ولم يكن المتلقي يعلم لماذا تم اختيار بعض من كان يُخصص له زاوية أو عمود للكتابة أو برنامج يقدمه وما معايير اختيارهم، كان المتلقي مسالما لدرجة أن يصدق كل ما يكتب أو يعرض ويأخذه كمسلمات دون نقد أو تمحيص.

واستمرت كلمة “إعلامي” تحمل وقع السحر في المجتمع إلى أن غمرها طوفان مهنة جديدة اسمها “مشاهير”، هم عبارة عن ذكور وإناث، لايزالون يتوالدون من حيث نعلم ولا نعلم، أناس عاديون مثلنا لكنهم تحلوا بالجرأة لفتح كاميرات جوالاتهم ونشر مقاطعهم على كل تطبيق واتبعوا استراتيجية “فك فمك يرزقك الله”، هناك من غنى ورقص وقلد ومنهن من استعرضت خزانة ملابسها ومشرياتها ورريدا رويدا بتنا ندخل معهم إلى غرف نومهم ونحضر مناسباتهم ونأكل ونشرب معهم، فلملم المتلقي المسالم رحاله واستقر في التطبيقات ليتابع فئة المشاهير الشجعان الذين ظهروا من اللامكان وكسروا كل المحظورات الاجتماعية فخطفوا الأضواء وسلبوا ألباب العامة والخاصة ومنهم إدارات الاتصال المؤسسي في القطاعات الحكومية الخاصة، لدرجة تمكنت بعضهن من تلقي دعوات لحضور افتتاح محافل محلية لأن ملايين يتابعون مقاطع صورتها تلك المشهورة المجهولة تحت اسم مستعار لم نر أصبعها ولم نسمع صوتها.

لقد وجد المهمشون أنفسهم في دائرة الضوء حيث تقدم لهم فروض الاحترام والتبجيل من كل من يقابلون ويجنون الكثير الكثير من المال فتحول المعقب إلى شخصية اعتبارية وأصبح المبتعث ممثلا وتصدرت ربة المنزل مناسبات مؤسسات رسمية كمتحدثة وغيرها كثير.

في هذه الأثناء وقف الإعلامي المفلس في الركن البعيد الهاديء – الذي كان يتعامل مع مهنة الإعلامي كما يتعامل الموظف الحكومي مع وظيفته حيث الأمن الوظيفي والدخل الجيد المضمون وعلاقات متميزة مع جميع القطاعات لم يظن يوما أن تهتز – منغمسا في نعيمه غير آبه لطوفان المهمشين إلا عندما احتل صاحب مهنة “مشهور” جميع مراكز قوى مهنة الإعلامي، وأمعن في قهره بأن أصبح يتقاضى آلاف الأضعاف لما كان يجنيه الإعلامي الدايخ، وأجهز عليه حين باتت كل القطاعات تخطب ود المشهور ليُملي عليها ذاك المهمش شروطه ويشبع كل عقده ويعوض سنوات من التهميش و يختصر على نفسه مشوار سنوات ضوئية كان يحتاجها ليصل إلى هذا الوهج.

لكن دوام الحال من المحال، فبعد سنوات سمان تنعم فيها المشهور وقابلتها سنوات عجاف عاشها الإعلامي المفلس محاولا استرداد مناطق نفوذه بهجمات إعلامية منظمة وغير منظمة لكن دون جدوى; جاءت نكبة المشاهير المهمشين في جائحة الفيروس الصيني لينقض الإعلامي – مستغلا أخطاء قاتلة تسبب فيها غرور المشهور – فوضع ذاك الإعلامي إصبعه في جرح المشهور الغائر ليجهز عليه وبالفعل كان له ما أراد، لتتنبه بعض القطاعات الحكومية بأن إدارات الإتصال المؤسسي الكسولة أوقعتها في شرك المهمشين وتسببت في سخط مجتمعي عليها لتعود لصوابها وتبدأ بعملية التعافي وإعطاء الإعلام الرسمي مكانته.

لكن كيف تصرف الإعلامي المفلس بعد أن استرد الأضواء؟ لقد عاد بتراكمات قيمه الملتوية وزاد عليها تبنيه قيم المهمشين، أتى جائعا نهِما كسولا دون أدنى نية لتغيير أساليبه من تملق وتطبيل وغرور ليحقق هدفا ماديا أو معنويا، عاد مخيبا آمال المجتمع الذي جيشه واستغله في حربه ضد المشاهير ، ظن المجتمع أن ذاك الوصولي تعلم الدرس بعد الطوفان لكنه أبى إلا أن يتشبث في أدواته البالية.

إن الفرق بين مشهور الفلس وإعلامي الفلس كالشعرة الرفيعة لا ترى بالعين المجردة، تخيل أن يطلب صحفي مغمور في جريدة ورقية لا تٌقرأ مبلغا بآلاف الريالات لنشر  خبر عادي; هذا عدا عن برامج علاقات عامة تلفزيونية والغثاء الذي يُفرض فيها على المجتمع والإصرار على خلق طبقة مهمشين دفيعة تحمل ألقاب لينشروا غثاءهم ويحققوا مكانة وهمية كالمشهور تماما.

إن هذه الحرب تخلوا من الشهامة وأخلاق الفرسان، كانت حربا ملؤها التحريض والحقد وتقاذف التهم، فهي أشبه ما تكون بحرب حواري بين شلل العرابجة استُخدمت فيها جميع الأسلحة، والضحية المجتمع الذي سوف يلفظهم دون رجعة.

همسة في أذن المفلسين من الطرفين لا تغتروا في متابعيكم المليونيين ولا جولاتكم مع الجهات الرسمية ولا تقلدكم مناصب في جهات إعلامية رسمية، فأنتم بشعون خلف الكواليس – لا يغيب عن مخيلتي منظر ذاك الإعلامي “البزر” الذي كان يجادل زملاءه في أحد المؤتمرات بطفولية وغرور كلما رأيته يهاجم ثلة المهمشين – فلا فرق بينهم، أما قطعان المهمشين واسطوانتهم المشروخة بأن الحسد هو محرك هذه الحرب فأصدقكم القول أن مناطق النفوذ ومكاسبها تستحق تجييشكم واستخدامكم من الطرفين والتي قد يكون الحسد أحد دوافعها. ولكن ليس على كل حال يمكن أن يُحسد مهمش مهدر الكرامة على أنه كان أراقوزا يُضحك أصحاب المال بقصائده ورقصه أمامهم.

التقدير والاحترام لكل إعلامي مهني ولكل مشهور قدم محتوى كان قيمة مضافة للمجتمع السعودي الذي يستحق أفراده الأفضل دائما فهم سبب المكانة التي وصلها الجميع، لذا اختاروا من يستحق ثقتكم ولا يخذلكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *