الرأي , رياضة

لعبة وشعب 2-3

محمد العمري

كاتب رياضي

تحدثت في المقال السابق عن ولادة كرة القدم في أمريكا اللاتينية، وصولا إلى نشأة العنصرية في كرة القدم البرازيلية.

فقط بدأت الانقسامات العرقية في الانهيار في ثلاثينيات القرن العشرين لعدد من الأسباب أهمها: صعود جيتوليو فارجاس إلى السلطة حيث كان سياسيا ثوريا ورئيسا للبرازيل أربع مرات، وكان يلقب بـ «أب الفقراء». فارجاس كان له نظام وطريقة في حكمه جذبت الكثيرين إلى تغييرات في بنية الدولة والمجتمع البرازيلي على حد سواء، فقد أنهى صراعات القوة الإقليمية، وفي الوقت نفسه بحث عن عناصر الثقافة البرازيلية الجوهرية لتوحيد الأمة حيث قام بترويج الكابويرا – فنون الدفاع عن النفس الأفرو-برازيلية التي شوهت وتم ربطها بجرائم برازيلية أفريقية، والسامبا التي كانت رقصة للفقراء والسكان المنحدرين من أصل أفريقي.

في حين أن الكابويرا والرقص مهمان، كانت كرة القدم بالفعل ملكة الرياضة، ونما تأثيرها خلال سنوات فارغاس في ثلاثينيات القرن العشرين، حيث بدأت الديناميكية العرقية لكرة القدم في التغيير وأصبحت الرياضة أكثر شمولاً. فتح الاحتراف في عام 1933م الأبواب أمام المزيد من البرازيليين المنحدرين من أصل أفريقي للعب، ولكن كان هناك أيضًا استعداد أكبر لاختيار البرازيليين المنحدرين من أصل أفريقي للعب في المنتخب الوطني.

أراد البرازيليون أفضل فريق، وليس فريقًا يعكس أمة “بيضاء” مثالية. يشير المؤرخون إلى إدراج البرازيليين من أصل أفريقي دومينغوس دا جويا، وليونيداس دا سيلفا في تشكيلة كأس العالم 1938م كنقطة تحول للإندماج العنصري في كرة القدم البرازيلية. وعندما تم تسمية ليونيداس أفضل لاعب في البطولة في فرنسا – حيث احتلت البرازيل المركز الثالث – شجعت المناقشة والتقدير لمساهمات المواطنين من الأصول الأفريقية في البرازيل. وهذا يعني أن النجاح في ملعب كرة القدم فتح مساحة أوسع في المجال العام للبرازيليين لمناقشة تراثهم العرقي.

لم يوافق الجميع على أن البرازيل يجب أن تكون أكثر شمولاً. على العكس من ذلك، استمر الكثيرون في الاعتقاد بأن سكان البرازيل المنحدرين من أصل أفريقي لم يؤخروا فريق كرة القدم فقط، بل عرقلوا تنمية البلاد ككل.

ظلوا قلقين من التأثير السلبي للسكان السود في كرة القدم والمجتمع على نطاق أوسع. علاوة على ذلك، كان الكثيرون قلقين من أن العالم الخارجي – لا سيما أوروبا – ينظر إلى البرازيل على أنها غير حضارية ويخشى أن يعزز اللاعبون البرازيليون الأفارقة هذا الموقف.

ظهرت هذه المخاوف في أثناء عام 1950م، عندما استضافت البرازيل كأس العالم، ومرة أخرى في بطولة 1954م في سويسرا. ففي عام 1950م، كانت البرازيل بحاجة فقط إلى التعادل في المباراة النهائية للفوز بالبطولة. احتشد 200 ألف مشجع في ملعب ماراكانا في ريو لكرنفال يكون أساسه الفوز بكأس العالم، بدلاً من ذلك، رأوا البرازيل تخسر من قبل فريق أوروغواي والمفترض أنه أضعف منهم في استاد ماراكانا في ريودي جانيرو، وأصبح حارس المرمى الأسود باربوسا كبش فداء.

وصف الأوراغوايين نصرهم بـ “ماراكانازو”، و أما الكتّاب البرازيليون فقاموا بوصف خسارتهم بأنها “ووترلو” أو “هيروشيما” الخاصة ببلادهم.

وليزداد الطين بلة ففي كأس العالم 1954م تُهزم البرازيل من منتخب المجر في ربع النهائي، ومرة أخرى أُلقي  اللوم على هذه الخسارة في طبيعة “الهجين” للبرازيل ومواطنيها. وألقى رئيس الوفد البرازيلي باللوم على الفشل في “الفراسة” للشعب البرازيلي والأسوأ من ذلك أن الصحافة الإنجليزية وصفت الفرقة البرازيلية “بحشد من الزنوج الهستيرية “.

وفي المقال القادم والأخير، سوف نتحدث عن دور كرة القدم في محاربة الانقسامات العنصرية، وظهور فكرة الأمة المختلطة عرقياً، وصولا إلى تاريخ كرة القدم البرازيلية اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *