الرأي

عيسى آل خليفة

د. سليمان الذييب

كاتب وباحث وأكاديمي سعودي

للإنسان في هذه الدنيا أيام معدودة لا يمكنه تخطيها، ففي الأمس الخميس (12 مارس 2020م)، انتقل إلى رحمة ربه -بحول الله- شخصية اجتماعية خليجية، يكن لها الغالبية الاحترام والتقدير لطيبة قلبه وعفة يده وطيب لسانه، شخصية تركت بصمة لا يمكن لنا ولا لجيلي نسيانها على الاطلاق- انه الشيخ المرحوم بأذن الله- “عيسى بن راشد آل خليفة”. الشخصية الرياضية الوحيدة التي احترمها وقدرها جميع أبناء الخليج. وهذا الاحترام الصادق من المجتمعات الخليجية، ناله هذا الرجل لطيب قلبه وابتعاده الملموس عن الغرور والكبر، كابتعاد السماء عن الأرض عندما نقارنه بمعاصريه من رجالات الرياضة في بلادنا العربية.

ولد المرحوم “عيسى” في سنة 1938م، في مدينة المحرق البحرينية، عندما كان الخليج فيما عدا المملكة العربية السعودية- تحت مظلتين: “الطيبة والبساطة” إضافة إلى “الاحتلال البريطاني” الذي رحل غير مأسوف عليه في الستينات من القرن الميلادي الماضي. وقد درس -فيما يبدو- مراحله التعليمة الأولى في مدينة الرفاع، واستمر حتى قادته الأقدار الذهاب في العام الميلادي إلى القاهرة أيام كانت قبلة لكل طالب علم، ودرس في جامعتها المرموقة “عين شمس” في كلية الحقوق، وبعد حصوله على درجة الليسانس في القانون عاد أدراجه إلى البحرين الجزيرة الموغلة في القدم التي اعتبرها يومًا السومريون مكانًا مقدسًا، دلمون. أقول عاد ادراجه ليشارك شعب البحرين الطيب في بناء دولة عصرية حازت على مكانة اقتصادية كبيرة في منتصف القرن الماضي، كيف لا والمجتمع البحريني مع أخيه الفلسطيني يكاد يخلو من الأمية.

وحال عودته تقلد منصب قاض في محاكم البحرين، ولا أظنه لمن عرف شخصيته وخبرها إلا عارف سبب تركه لمنصبه، فشخص في مثل طيبته واريحيته وسماحته لا يمكن له الاستمرار في القضاء، فتركه إلى وزارة الدفاع البحرينية في عام ما يعرف عربيًا بالنكبة 1967م، حيث عُين وكيلًا لوزارة الدفاع بها، ولاحقًا وكيلًا لوزارة الإعلام، ومع تعدد مناصبه وأهميتها إلا أن توليه رئاسة الاتحاد البحريني لكرة القدم في العام 1974م، بعد عام من معركة أكتوبر، كانت الباب الذي عَرَفَ المجتمعات العربية به، خصوصًا الخليجية.

ومع أنه من مؤسسي دورة الخليج العربية التي كان لها دور كبير في تطور الرياضة، إضافة إلى دورها في خلق تنافس غير رياضي بين المجتمعات الخليجية، والدور الثاني لم يكن لهذا الرجل -رحمه الله- في ظني دور فيه على الاطلاق، فقد كان بشخصيته الطيبة حمامة سلام وماء بارد على الخلافات بين الرياضيين الخليجيين.

وسبحان الله الذي حقق لهذا الرجل النبيل حلمه بتحقيق منتخب بلاده البحرين كأس الخليج، الذي كان في الدورة الأخيرة (24) التي أقيمت في الدوحة، وذلك قبل أشهر قليلة من وفاته.

وأما الوجه الأخير غير الرياضي، لعيسى -رحمه الله- في كونه شاعرًا متميزًا وأديبًا عربيًا نالت قصائده الشعبية القبول والاعجاب، ليس من أهل البحرين الطيبين، بل من كل هواة الكلمة الطيبة الجميلة، فازدانت الأغنية البحرينية بكلماته، ونشر ما مجموعة “38” ديوانًا شعريًا.

رحم الله عيسى وأسكنه فسيح جناته ستفتقد الرياضة الخليجية الحكمة والطيبة والشخصية المسامحة لسنوات طويلة.

وكم أتمنى أن يطلق اسمه على دورة الخليج القادمة، فتكون دورة عيسى آل خليفة لكأس الخليج 25، المزمع إقامتها في المدينة التي كانت يومًا ما منارة علم ومدينة إشعاع للإنسانية -قبل أن تدمرها الطائفية قاتلها الله- مدينة البصرة في العراق العظيم بتاريخه ورجاله.

فهذا الرجل يستحق الدعاء الصادق والتكريم النابع من القلب. رحمك الله يا عيسى وزين ربي قبرك بنور الجنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *