الرأي

أمرتنا بخير فأطعناك!

محمد عبدالله الفريح

مدير إدارة النشر والترجمة - شركة العبيكان للتعليم

ذكرالحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في سفره الكبير التمهيد حول (تواضع أهل العلم)، فقال: سمعت غير واحد من شيوخي يذكر أن الغازي بن قيس، لما رحل إلى المدينة سمع من مالك، وقرأ على نافع القاري، فبينما هو في أول دخوله المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دخل ابن أبي ذئب، فجلس ولم يركع .فقال له الغازي: قم يا هذا فاركع ركعتين. فإن جلوسك دون أن تحيي المسجد بركعتين جهل!! أو نحو هذا من جفاء القول، فقام ابن أبي ذئب فركع ركعتين وجلس، فلما انقضت الصلاة أسند ظهره، وتحلق الناس إليه، فلما رأى ذلك الغازي بن قيس خجل واستحيا وندم، وسأل عنه، فقيل له: هذا ابن أبي ذئب، أحد فقهاء المدينة وأشرافهم. فقام يعتذر إليه، فقال له ابن أبي ذئب: يا أخي لا عليك، (أمرتنا بخير فأطعناك).

ما أشد حاجتنا إلى هذا الأدب الرفيع والتواضع الجم، ونعوذ بالله من الرياء والعجب، ونسأل الله العفو والعافية والسلامة. وما أعجب الأبيات الشعرية المنسوبة للشاعر عبدالجليل الطَّباطَبائي وهو من أهل البصرة:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ.. به يُهتدى السارُون حيث تضيع

ورُم خُلقًا في الحسن كالبدر إذ يُرى.. على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يعلو بنفسه.. وليس به للانتفاع نُزوع

وذو الكِبْر نَكس كالبعوض إذا علا.. على صفحات الجو وهو وضيع

وكذلك المقولة التي اشتهرت عن الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس الثاني للدولة الأموية عبدالملك بن مروان: أفضل الناس من تواضع عن رفعة، وعفا عن قدرة، وأنصف عن قوة.

المصدر: التمهيد لابن عبدالبر: 20 / 106

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *