الرأي , ساقية

{ مُعَاكَظَةٌ هَزَلِيَةٌ }

هدى الناصر

كاتبة وقاصة

اطّلع الغرب على آداب العرب ، و لاسيما ديوانهم الشعري ، إبّان الحروب ، و الاستعمار . فظهرت الدراسات الاستشراقية التي استفادوا منها في نشأة بذور حضارتهم الأولى .

إن دراستي لكتاب ” الأدب المقارن ” في المرحلة الجامعية -الذي أحببته كثيراً – ثم قراءاتي المتفرقة ، جعلت فخري يزداد بما علمته ، سأفيد قارئي الكريم ببعض من صور اقتباساتهم ، و أترك الإطناب ” لمن شاء مساءلة الغواص عن الدرّ ” .

من الأمثلة :

ملحمة (الملهاة الإلهية) للشاعر الإيطالي دانتي ، استوحاها من بعض شعر أبي العلاء المعري . ( شعراء التربادور ) جوالة فرنسيين أسسوا لشعر الحبّ و فنّه العفيف ، فلا ريب أن شعراء بني عُذرة وعلى رأسهم كثير عزة ، ألقوا بظلالهم على توجههم و معانيهم . إن شخصية ( روبن هود ) اللص الظريف الذي يسرق من الأغنياء لمساعدة الفقراء ، هي صورة لحياة شعراء الصعاليك أمثال تأبط شراً و رفاقه من قُطاع الطرق .
أيضاً لن ننسى أثر قصص ” ألف ليلة وليلة ” ، و ” كليلة و دمنة ” .. وغيرها من السير و الحكايات التي راقت لهم .

ومن باب الترويح المفيد عن النفس ، لنتخيل معاً ..
أن موفداً من المستشرقين الغربيين ، جاء إلى مدينة الطائف .. فهم لغتنا ، هام بشعرنا
جرى حديث طريف بينه وبين عربي عن إرثنا الشعري ، علا صوتاهما .. جذبا به اهتمام من حولهما
فتنابزا شعراً من معين ” ديوان العرب ” .

لمن ستكون الغلبة ؟
تقول العرب (من مأمنه يؤتى الحذر) أيمكن أن يكون التفوق للضيف ، أم يكون النصر حليف ابن الضاد ؟؟
لنجلس القرفصاء إذن .. سمعاً لجَرْس قوافينا من الشفاه .

الغربي مُتباهٍ :
و يُقضى الأمر حين تغيبُ (عرب) ..
ولا يُستأذنون وهم شهودُ
– جرير

العربي مُعرضاً بهم :
كلُ خليلٍ كنتُ خاللته ..
لا ترك الله له واضحة
كلهم أروغ من ثعلبٍ ..
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة
– طرفة بن العبد

الغربي مزهواً :
فمن أنتم؟ إنّا نسينا من أنتم ..
وريحكم من أي ريحِ الأعاصير ِ
– الحُطيئة

العربي شامخاً :
نحن قومٌ لا توسطَ بيننا ، لنا ..
الصدرُ دونَ العالمينا أو القبر ُ
– أبو فراس الحمداني

الغربي ساخراً :
لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عرضٍ ..
جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ
– حسان بن ثابت

العربي مُستنفَراً :
أنتم قرارةُ كل معدنِ سوأةٍ ..
ولكل سائلةٍ تسيلُ مَصبُّ
– الفرزدق

الغربي :
ترى الناسَ ما سرنا يسيرون خلفنا ..
وإن نحنُ أومأنا إلى الناسِ وقفوا
-الفرزدق
ونحن …
إذا غضبت عليك (بنو غرب) ..
حسبت الناس كلهم غضابا
-جرير

العربي :
إن الفتى من بماضي الحزمِ مُتّصفٌ ..
و ما تعوّدَ نقصَ القولِ و العملِ
و لا يظنُ بهم سوءً و لا حسناً ..
بل التجارب تهديه على مهلِ
– أميّة الصفدي

الغربي ساخراً :
أ غايةُ الدينِ أن تحفّوا شواربكم ..
يا أمةٌ ضحكت من جهلها الأممُ
– المتنبي

العربي : و عدلكم هو :
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفر ..
وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر !
– ديب إسحاق

تدخل أحد الحضور مبتسماً : حسناً .. حسناً
ليختم كل منكم بحجة على الآخر ، كي نحكم بينكما .

الغربي : محاولاً السيادة :
لا يصلُح الناس فوضى لا سُراة لهم ..
و لا سُراةَ إذا جُهالهم ســــادوا
والبيتُ لا يُبتنى إلا له عمدٌ ..
ولا عـمــاد إذ لم تُرسَ أوتادُ
– الأفوه الأودي

العربي : مستنهضاً للهمم :
و لا بدّ لليل أن ينجلي ..
و لا بدّ للقيد أن ينكسر
إذا ما طمحتُ إلى غاية ..
ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن يتهيب صعود الجبال ..
يعش ابد الدهر بين الحفر
أبارك في الناس أهل الطموح ..
ومن يستلذّ ركوب الخطر
ويمشي الزمان فتنمو صروف ..
و تذوي صروف ، و تحيّا أُخر
– أبو القاسم الشابي

بُعيد الاستماع و الاستئناس ، دعى مندوب (الهيئة العامة للترفيه) الجميع لمأدبة عشاء ، إكراماً للضيوف و احتفاءً بمنطق اللسان العربي قائلا :
الحكم .. سيبقى للتأريخ .

———-
* ما بين الأقواس في الأبيات الشعرية – بتصرف – .
* ضمنتُ كلامي بيتاً للشاعر حافظ إبراهيم من قصيدته عن اللغة العربية
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرّ كامنٌ ..
فهل ساءلوا الغواصَ عن صدفاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *