الرأي , خلني أقول لك

انطباعات زائر لوزارة الثقافة !

طارق إبراهيم

رئيس التحرير ، ومالك شركة (الطارق للإعلام) وسابقا: رئيس تحرير صحيفة (الوطن) السعودية، و رئيس تحرير مجلة (الأسرة) .

الانجازات الكثيفة، التي حققتها وزارة الثقافة منذ انفصالها في رمضان 1439 عن وزارة الإعلام بأمر ملكي كريم، ليست وليد قوة دفع متوقعة بحكم حداثتها، ولا هي نتيجة إبداع مؤقت، لكنها تعبير صادق عن مزيج مبهر من كفاءة الإدارة وصدق الانتماء وقبلهما “إبداع القيادة”.

أقول ذلك، بينما لا زالت أصداء زيارتي لمقر الوزارة بالدرعية تزيدني ثقة بأن الأمر الملكي بفصل الثقافة عن الإعلام، كان عملًا كبيرًا يعزز مكانة المملكة، وهي تعيش مرحلة انتقال وتحديث، كعاصمة واعدة للفكر والإبداع في المنطقة العربية. والحق أن هذه الزيارة منحتني أيضًا شعورًا بالزهو، بعدما رأيت أبناء وبنات وطني، من أصحاب الكفاءة والخبرة، وهم يعملون بدأب ووفق نظام دقيق، للوفاء بواجبهم الكبير.

لقد أخذتني هذه الزيارة القصيرة إلى أفق بعيد للأمل والطموح، خاصة وأنا أتابع تفاصيل العمل، التي تركت في مخيلتي انطباعات مبهجة، أظنها تكفيني لليقين بأن الوزارة في طريقها الصحيح.

كان أول ما لفت نظري، هو الموقع المثالي الذي اختارته الوزارة كمقر لها في الدرعية بعيدا عن صخب وزحمة الرياض.. شدني الطريق الهادئ إلى هناك واستحوذت على ذهني وأنا أسير عليه مشاهد المرتفعات والمنخفضات والمزارع والبيوت القديمة ومعالم أخرى كثيرة تعود إلى  ذاك الزمن الجميل الذي يفتقده من هم في مثل أعمارنا .. متعلقون نحن بتلك الأيام  ونتحسر على فقدانها .

لكن شعوري بالحنين للزمن الجميل، سرعان ما توارى وأنا أتأمل روعة مبنى الوزارة من الخارج والداخل. شعرت على الفور، بأنه يتناسب مع هوية وزارة الثقافة وإن كان في الأساس قد صمم ليكون مركزا تراثيا يجمع تاريخ شخصية دينية تاريخية.

هذا المقر بذاته باعث على البهجة، وأحسب أنه حتى إذا انتقلت الوزارة لاحقا إلى مركز الملك عبدالله المالي، فلابد من الحفاظ على هذا المبنى فهو صالح ليكون متحفا أو مركزا لبعض الفعاليات والمناسبات.

أما داخل المبنى، فقد وجدت ما سرني .. وربما لا أبالغ إذا قلت إنني ذهلت مما حدث معي وحولي.

في مكتب الاستقبال، قوبلت بطريقة تدل على الرقي والوعي وحسن التنظيم، ثم حدث الأجمل عندما شاهدت صاحبي الذي أتيت لزيارته واقفا على بعد عشرة أمتار فقط ،فقلت للشاب، الذي يدون بياناتي: “شكرا لك هذا صاحبي وسأتوجه إليه”، فإذا به يعتذر مني بأدب ويبلغني بأنه لابد أن يستأذن صديقي قبل أن أتوجه إليه، وفعلا كتب اسمي على ورقة وذهب بها إليه..

هنا أيقنت أن الناس في هذا المكان تعمل بشكل احترافي ومنظم وفيه احترام مشترك لمنسوبيها وزوارها.

في تلك اللحظة، لمحت لوحة إعلانات فاخرة وأنيقة في مدخل المبنى موضوع عليها صور لحوالي أربعة شباب وشابات وتحتها عبارات ترحيبية من الوزارة بهم كونهم موظفين جدد.. توقعت مردود ذلك على الموظفين الجدد، وما يعكسه من اهتمام بالكادر البشري داخل هذه الوزارة.

وخلال فترة جلوسي مع صاحبي، خرجت بالانطباع الخامس .. إنهم عمليون جدًا وبسطاء على الرغم من مواقعهم الوظيفية المرموقة.

صاحبي يجلس مع مجموعة من كبار مسئولي الوزارة  والمستشارين في مكتب كبير جدا مفتوح وبمكاتب بسيطة وبدون سكرتارية لكل منهم مع أني أعلم أن بعضهم كانوا في مناصبهم السابقة، قبل إنشاء وزارة الثقافة، يستقلون بمكاتب فردية غاية في الفخامة والسعة وعدد السكرتارية والخدمات .

صاحبي وزملاؤه من كبار موظفي وزارة الثقافة  يحبون الصالة الكبيرة  ويرون أنها توطد أسس نجاحهم، معتبرين البساطة سببًا في سعادتهم جميعًا..

الانطباع السادس والأخير، تشكل عندي وأنا أتحدث مع صاحبي، إذ مر عليه شخص فأعطاه اهتمامًا كبيرًا، ثم حدد له بعض المواعيد، فسألته : هل هذا الرجل يعمل سكرتيرا لك؟، فنفى ذلك وأبلغني أنه من شركة استشارية تعمل لصالح وزارة الثقافة.

ثم استطرد صاحبي موضحًا أن الرجل كان يحدد له عدة مواعيد على فترات مختلفة منها ما هو عام ومنها ما هو شخصي، بما في ذلك مواعيد اجتماعات ولقاءات وورش عمل وما يتبعها من توصيات ونماذج واستبيانات ومؤشرات وغيرها .

وأضاف صاحبي :” الهدف من كل ذلك هو تدريبي كيف أعمل؟ ، فشعرت بالصدمة، وقلت له وابتسامة الدهشة تغطي وجهي:” هل بعد هذا العمر وبعد 35 سنة عمل في مناصب عليا في القطاع العام والخاص تحتاج لمن يدربك فضلا عن أن منصبك الحالي مستشار؟”، فرد عليً بنفس ابتسامتي ، ثم قال إن “الأمر لا يدعو للتعجب فما تقوم به الوزارة هو الصحيح وهذه الشركة الاستشارية تضيف لنا شيئًا مذهلًا وعظيمًا ومفيدًا “.

واستطرد قائلًا:” هذه الشركة تؤسس وتنظم وتعمل وتؤلف لمنظومة عمل عمادها البشر بآليات ومنهج مغاير لما اعتدنا عليه والمحصلة هي ما ترى من مخرجات هائلة للوزارة في زمن قصير، وما هو قادم من مخرجات يفوق ما تم وما يمكن توقعه”.

عندئذ؛ تذكرت موسم العلا العام الماضي وقبله حفل تدشين هوية الوزارة وغيرها من مخرجات الوزارة والتي كان آخرها في نهاية شهر ديسمبر 2019 ، عندما أعلن وزير الثقافة عن إطلاق أول برنامج للابتعاث الثقافي ، وعرفت لماذا باتت كل مناسبات الوزارة مميزة جميلة مبهرة تلاقى صدى طيبا في الخارج مثلما تلاقى قراراتها أيضا ذات الإبهار والتفرد.

في وزارة الثقافة هناك وزير شاب اسمه الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود ومعه جيل من الشباب والشابات مدعمين بأهل الخبرة وأصحاب الرأي والمشورة. في ظني أن الأمير الشاب استوعب بشكل كبير وذكي آمال ورغبات وطموح القيادة ، وكذلك أهداف صاحب رؤية 2030 الأمير محمد بن سلمان، فراح مبكرا وربما متفردا لإبداع منهج وآليات تضمن لهذا العمل النجاح.

يساعد على هذا النجاح أن الوزير منفتح على كل الآراء وغير مركزي، ليس للتقليدية مكانا عنده، يحفز الجميع على اتخاذ القرار الصائب والشروع في  التنفيذ . كما أن قياس الكفاءة عنده هو الإنتاج وليس المسميات ولا المراتب ولا التوصيات.

كم تمنيت أن يكون ما شاهدته وسمعته في  وزارة الثقافة معمولًا به في بقية الوزارات والهيئات والقطاعات المختلفة، ولربما كان ذلك حاصلًا بالفعل في الكثير من هذه الجهات، لكن مشكلتها تكمن فيما كنت وما زلت أشكو منه وهو ضعف قدرتها على إظهار ما يتم داخلها من نجاحات .. وهي – للأسف – مشكلة عامة !.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *