الرأي , سواليف

بطالة المهن النبيلة

محمد البكر

كاتب وصحفي سعودي، نائب رئيس التحرير السابق في صحيفة (اليوم) السعودية، معلق رياضي سابق.

عندما كان الحديث عن مخرجات التعليم وعدم حاجة سوق العمل لخريجي بعض الأقسام ، مثل التاريخ والجغرافيا واللغة العربية ، كانت هناك أصوات تطالب بتقليص – إن لم يكن بإلغاء – تلك التخصصات باعتبارها رافداً رئيساً من روافد البطالة في المملكة .

تلك المطالبات لقيت الكثير من التفهم والدعم من المجتمع ومن الجهات ذات العلاقة بالتوظيف ، لكن أن تتراكم ملفات طالبي العمل من الشباب السعودي ممن أفنوا شبابهم في دراسة التخصصات النبيلة والمطلوبة في أي مجتمع ، كالصيدلة وطب الأسنان والهندسة ، فهذا أمر محزنٌ ومحيرٌ وغير مقبول .

ولو أخذنا – على سبيل المثال – أعداد خريجي الصيدلة الباحثين عن العمل ، وقارناها بعدد الصيدليات المنتشرة في كل ركن من أركان مدننا وقرانا ، لوجدنا العجب العجاب ، فمن تجربة شخصية ، مررت بأكثر من 50 صيدلية في المدينة التي أسكنها دون أن أجد فيها صيدلانياً واحداً من السعوديين . ولك أن تقيس هذه التجربة على جميع المدن السعودية ، حيث ستخرج – بالتأكيد – بنفس النتيجة التي خرجت بها في مدينتي .

لقد حاولت الحصول على العدد الفعلي والدقيق لعاطلي هذا التخصص النبيل من الجهة الحكومية المعنية فلم أتمكن رغم انتظاري للرد لفترة طويلة ، ولطالما سألت نفسي ، لماذا ندشن المزيد من كليات الصيدلة طالما أن الخريجين سيتحولون إلى أرقام تضاف لأرقام البطالة ؟

ما ينطبق على خريجي كليات الصيدلة ، ينطبق على خريجي أطباء الأسنان . فهل يعقل في بلد مثل بلدنا لا يجد طبيب الأسنان بعد تلك السنوات الصعبة التي قضاها في كليته وظيفة تتناسب وتخصصه ؟! هل يعقل أن تنتشر عيادات طب الأسنان في مدننا بأعداد كبيرة وليس فيها طبيب سعودي واحد ؟! السؤال مرة ثانية .. لماذا إذن نفتتح المزيد من كليات طب الأسنان طالما أن النتيجة هي وجود ما يقارب 1500 طبيب أسنان سعودي بلا وظيفة ؟! .

وما ينطبق على خريجي الصيدلة وطب الأسنان ، ينطبق على خريجي كليات الهندسة من السعوديين العاطلين عن العمل . لا يختلف الأمر إن كان تخصصهم هندسة مدنية أو معمارية أو ميكانيكية أو كيميائية أو كهربائية أو هندسة تخطيط المدن ، فلدينا قطاع خاص عريض مرتبط بهذه التخصصات رغم تنوعها ، وإذا ما استثنينا الكيانين الكبيرين : “أرامكو” و”سابك” ، فإن الكثير من الشركات المتوسطة والصغيرة ذات العلاقة لا تهتم بتوظيف المهندس السعودي ، فهي تفضل الأجنبي لأسباب كثيرة ليس من بينها الكفاءة والمهنية ، ولو نظرنا لمشاريعنا الحكومية التي ينفذها القطاع الخاص والتي تتطلب وجود مهندسين وفنيين ، لوجدنا أن غالبيتها سيئة التخطيط والتنفيذ والإشراف ، ولو ألقينا نظرة خاطفة على تصاميم المباني في المدن السعودية ، لوجدناها مكررة وبلا إبداع كما نراه في الدول المجاورة . أما ما يحدث في شوارعنا من تخبيص ، حيث مشاريع المياه والبلديات والسفلتة ، فإنه يشبه تماماً ما يحدث عندما يتعلم الحلاق في رؤوس زبائنه ، وما دام الأمر كذلك فلماذا لا نمنح الفرصة للمهندسين السعوديين حديثي التخرج ليتعلموا ويتدربوا ما دامت النتيجة واحدة ؟! .

نحن معكم في سعودة المهن الصغيرة كأسواق الخضار التي لم تتحقق ، أو بيع التجزئة . لكننا لسنا معكم في تأجيل أو تأخير أي حل لمشاكل بطالة المهن النبيلة التي يحتاجها كل وطن ، ولكم تحياتي.

رد واحد على “بطالة المهن النبيلة”

  1. يقول يوسف احمد الدليجان:

    لم يقتصر عدد العاطلين علي ماذكرت من المهن فهناك خريجي امريكا واوربا وغيرها يبحثون عمن يوظفهم واصبحو عباء” علي اهاليهم والسنين تمر وهم عاطلين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *