الرأي , هواجيس

حيص .. بيص

في السبعينات ميلادية كانت الدراسة لدينا ستة أيام في الأسبوع والاختبارات ربعية .. والاختبار النهائي لكامل الكتاب في نهاية السنة .. تطورت في نهاية السبعينات تقريبا إلى نظام الفصلين الدراسيين .. وبعدها تم استحداث الثانويات الشاملة (نظام الساعات) موازية للثانويات العادية.. ثم أُلغي نظام الشاملة.. وأعادوا نظام المقررات للثانوية ثم ألغوه .. والآن أعادوه ..  وبعدها دخل نظام التقييم للابتدائي ومن ثم أُلغي ورجعوا للاختبارات الشفوية .. والآن في منتصف الدراسة أعادوها للاختبارات التحريرية .. هذا ملخص مختزل جدًا جدًا ، فهناك الكثير مما استحدث ومما أُلغي .. ويطول الحديث عن تلك التخبطات في العملية التعليمية لدينا.. وذلك ما يخص الطلاب والطالبات.

وبخط متوازٍ تقريباً لدينا النظام التعليمي بجملته مبني على تعاميم موجودة في دوسيهات قديمة.. بعضها يلغي ما قبله وبعضها مُكمّل لما قبله  وبعضها مستحدث لا تعلم عمّا كان قبله ولا بعده..  ناهيك عن واقع المدارس وصيانتها والمقاصف ومتعهديها.. إلى أن صبحت معظم المدارس تدار ذاتياً بمساهمات مالية من الكادر التعليمي (قطيّات) أضف لذلك العلاوات والمستحقات المالية .. وذلك مايخص المعلمين والمعلمات.

في السبعينات كانت مادة الخط العربي مهمة كأي مادة أخرى.. وهذا ما يفسر نوعية خطوط ذلك الجيل وتطويرها وتنميتها.. ثم جاء قرار إلغاء مادة الخط إلى أن أصبحت الخطوط في معظمها أشبه ما تكون بوصفاتٍ طبيةٍ (أو كأنها رسمة لقافلة من النمل) .. وكذلك مادة الإملاء أُلغيت ثم عادت بعد أن ضاقت مواقع التواصل الاجتماعي ما بين (ض بدون عصا و ظ بعصا) ومابين ( ة تاء مربوطة و ه هاء غير منقوطة) وضاعت الهمزة في الطوشة ، مرة على سطر و، مرة على حرف ، ومرة منسية ، ومرة نسيها الجهل في غياهب الظلام .. وهذا ما يخص المناهج الأساسية.

منذ عام 1970 إلى 2019 وهي تعادل نصف قرن لازلنا نتخبط في صناعة دستور مقدس للعملية التعليمية فيما يتعلق بمناهج ومعلمين وكادر إداري ومدارس.. والعملية كلها خاضعة للوزير ، فكل وزير يأتي بفكرة وينفذها وينسف ما بناه الوزير السابق .. والهالة الإعلامية هي ذاتها التي مجدت للوزير السابق تمجد للوزير الجديد.. وأصبحنا في حيص بيص من واقعنا التعليمي..

واقعنا التعليمي مثل واحد يبني بيته.. وكل شوي يتغير مقاول ويغير في البيت.. وكل شوي يجيه صديق ويشور عليه بتعديلات ويعملها .. أصبح ذلك البيت مساحة مفتوحة لكل من هبّ ودبّ لصناعة فرق في شيء لا يملكونه ..وطال بناء البيت وانتهى وأصبح مسخاً معمارياً ..

العملية التعليمية في السعودية شيء مقدس يمتلكه الوطن ولا يجوز لكائن من كان العبث به أو التغيير أو التعديل.. كفانا 50 سنة ونحن نتخبط وكأن التعليم لدينا يعمل وفق منهج  التجربة والخطأ (Trial and Error) .. العوائل الميسورة خرجت من ذلك التخبط واعتمدت على مدارس خاصة لديها مناهج ثابتة وقوية .. وجعلت من تعليم أبنائها استثماراً يستحق الاقتراض من أجله ..

ختاماً .. وبدون زعل .. العملية التعليمية لدينا مثل طبخ الرفلا والوجبة سلق بيض.. وسوف يأتي وزير جديد ينسف ما قبله وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *