الرأي , هواجيس

ومضيت في شأني

ذهبت ذات يوم لشراء تميس، فوجدت سبعة من الزبائن بانتظار خبزهم.. متكومين بشكل عشوائي الكل يريد الشراء والانصراف بسرعة..  سألت: من هو آخر واحد لأقف خلفه بالطابور؟.. التفتوا جميعهم ينظرون لي باستغراب.. يبدو أنني نطقت كفرًا !! عندما قلت: طابور.. قال أحدهم : “أنا آخر واحد”.. وقفت خلفه ، وأتى من بعدي عشوائيون تفرغت لتنظيمهم.. أخذت الخبز ومضيت في شأني ..

توقفت عند محطة بنزين لتعبئة سيارتي.. ووجدت عشوائية أخرى.. كل سيارة واقفة باتجاه عكس الأخرى.. الأهم لدى الجميع تعبئة سيارتهم بأسرع وقت ممكن.. تأملت الواقع وانتظرت.. وقمت بتعبئة سيارتي.. ومضيت في شأني..

في الطريق السريع وجدت الجميع يتسابق ذات اليمين وذات الشمال وذات الكتف.. وهناك من يلزق بسيارتك من الخلف ويستخدم كل أنواع الإضاءات الممنوعة من أجل أن تفتح له الطريق، لايهمه شيء سوى أن يكون هو في المقدمة .. والجميع يريدون أن يصلوا لمقاصدهم بسرعة.. أخذت المسار الأيمن متأملاً عشوائية القيادة.. ومضيت في شأني..

توقفت عند إشارة مرورية  لايوجد فيها كاميرات لساهر. وعندما أضاءت بالأخضر انطلقوا بعشوائية.. فالذي في المسار الأيمن يريد الالتفاف للخلف..والموجود في المسار الأوسط يريد اللف نحو اليسار والمسار الأيسر يريد التوجه للأمام.. وكل واحد مستعجل للوصول لمقصده.. ومضيت في شأني..

توقفت عند المسجد.. ووجدت عند باب المسجد عشوائية أحذية بعضها متقلب وبعضها فوق بعض.. فقلت: لعلهم مستعجلين لا تفوتهم الصلاة.. مع أن معظم الأرفف فارغة..  فرغنا من الصلاة ومضى كل إلى سبيله .. ومضيت في شأني..

دخلت إلى بقالة صغيرة في أحد الأحياء.. واشتريت ماء وذهب للمحاسب ووجدت كومة من البشر حول المحاسب.. كل واحد يبي يحاسب قبل الثاني.. جميعهم مستعجلين.. تأملتهم على عجالة وكل واحد يحاسب بذات الوقت وكان الهندي يجاهد لمعرفة الحساب.. وكأنها مسابقة.. انفضت الزحمة وحاسبت ومضيت في شأني..

دخلت محلا لبيع الخضار والفاكهة.. وكان مليئاً بالمستعجلين.. كل واحد يصارخ من جهة هذا بكم .. وهذا بكم.. وإعطني كيلو من هذا وكيلو من هذاك .. وكل واحد يريد أن ينتهي قبل الثاني .. وهناك من يصارخ بصوت عالي وهناك من يحاول أن يشتري ويخلص.. انفضت مسرحياتهم ، وأنهيت مشترياتي ومضيت في شأني..

وفي نهاية المطاف كل هؤلاء المستعجلين كانوا يريدون أن ينجزوا أعمالهم قبل أن يتبطحوا ويتسدحوا لساعات في الاستراحات أو الملاحق.. وكنت أظن أنهم تأخروا على مختبرات بحث علمي مهم .. أو غرف عمليات ينتظرهم فيها مريض.. القصة وما فيها : نحن شعب مستعجل جدًا وعشوائي في قضاء الأمور اليومية.. ولكنننا مستعدون لقضاء ساعات من التسدح.. ولكن لن ننتظر دقيقة واحدة عند محطة بنزين أو مخبز تميس .. ومضيت في شأني..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *